مع وصول 400 جندي روسي إلى ريف درعا الشمالي يوم الثلاثاء الماضي، ليكونوا قوات فصل بين النظام والمعارضة، وتشرف على تطبيق اتفاق وقف النار في جنوب غربي سوريا، تتكشف معطيات جديدة عن محادثات دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في هامبورغ، التي يبدو أنها فتحت الأبواب على تفاهمات، قد تحل محل مسلسلات جنيف وآستانة بالنسبة إلى الأزمة السورية وحتى المشكلة الأوكرانية!
كان من المثير وحتى من المحرج للرئيس الأميركي، أن يعلن آيان بريمر، رئيس مجموعة «يورآسيا» يوم الأربعاء الماضي، أن اجتماعاً ثانياً لم يُعلن عنه، عقد بين ترمب وبوتين في هامبورغ، وعندما قالت وسائل الإعلام إنه «اجتماع سري»، رد ترمب بالقول: «هذه كاذبة... كان الأمر مجرد حوار مقتضب»!
لكن المثير أكثر أن ترمب كان قد ترك مقعده في خلال العشاء وانتقل للجلوس إلى جانب بوتين، حيث دار حديث بينهما استمر ساعة كاملة عبر مترجم روسي، وهو ما يثير مزيداً من التساؤلات حول «شبهات ترمب الروسية»، لكن ما يهمنا هو ما يتصل بالتفاهمات بينهما حول الوضع في سوريا، لأن الكشف عن الاجتماع الثاني تزامن مع الإعلانات الروسية عن الاتجاه إلى وقف للنار في منطقة ثانية في سوريا.
سيرغي ريباكوف، نائب وزير الخارجية، أعلن من واشنطن أن هناك محادثات تجري الآن بين خبراء أميركيين وروس في بلد أوروبي، لتحديد تفاصيل ترتيب وقف النار في المنطقة الجديدة، التي تقول وكالة «نوفوستي» إنه سيعلن عنها في منتصف أغسطس (آب) المقبل، وإنها ستشمل المساحة الممتدة من حمص إلى الغوطة الشرقية.
المحادثات بين ريباكوف ونظيره الأميركي توماس شانون، تناولت كل الملفات الثنائية والقضايا التي وضعت على مسار البحث بين البلدين بعد تفاهمات ترمب وبوتين، ولم تقتصر وفق التقارير الدبلوماسية على «الهدنة في الكانتون السوري الجديد»، بل تناولت أيضا الترتيبات المتصلة ببدء محادثات روسية أميركية حول القرم ستبدأ قريباً، خصوصاً أن ترمب قد عيّن بعد قمته مع بوتين موفداً خاصاً هو كورت فولكر للتفاوض حول الأزمة الأوكرانية.
بالعودة إلى وقف النار الذي سيعلن منتصف أغسطس في المنطقة الجديدة، الممتدة من محافظة حمص (42 ألفاً و226 كيلومتراً مربعاً) إلى الغوطة الشرقية، التي تتصل كما هو معروف بالقلمون والحدود اللبنانية، من الطبيعي أن تبرز أسئلة ساخنة وملحة حول الموقف الإيراني من هذا الاتفاق الأميركي الروسي، وما إذا كان يتصل فعلاً بما تردد عن صفقة سرية بين موسكو وطهران، سبقت الإعلان عن وقف النار في جنوب غربي سوريا، الذي قيل إنه سيبعد الإيرانيين و«حزب الله» مسافة 30 كيلومترا عن جبهة الجولان!
يوم الاثنين الماضي كرر سيرغي لافروف توجيه رسائل التطمين إلى إسرائيل، ونقلت «نوفوستي» عنه أن روسيا وأميركا ستحرصان على وضع مصالح إسرائيل في الاعتبار عند إقامة مناطق عدم تصعيد في سوريا، وكان لافروف يرد على بنيامين نتنياهو الذي قال في باريس «إن هذه الترتيبات تكرّس الوجود الإيراني في سوريا لذلك فإن إسرائيل تعارضها تماماً».
ولعل التأكيدات العملية لضمان تنفيذ آليات الاتفاق في جنوب غربي سوريا بما يطمئن إسرائيل، تتمثل في الإعلان عن وصول الجنود الروس الذين سيشرفون على تطبيق هذا الاتفاق، خصوصاً لجهة إبعاد الإيرانيين وأذرعهم العسكرية من منطقة الجولان إلى الحدود السورية الأردنية!
المعارضة الإسرائيلية لا تتصل بترتيبات وقف النار في درعا والسويداء والقنيطرة في محاذاة الجولان، خصوصاً أن الاتفاق يستجيب لشروطها لجهة إبعاد الإيرانيين وحلفائهم عن الجولان وحتى عن حدود الأردن، لكنها تتصل بمعارضة أن تكون المنطقة الجديدة الممتدة من حمص إلى الغوطة الشرقية، مساحة لحرية الحركة والتنقل والعبور إلى لبنان أمام إيران.
هنا من الضروري العودة إلى المعلومات التي سبق أن نشرت عن موافقة إيران على اتفاق وقف النار في جنوب غربي سوريا، في إطار صفقة أميركية روسية تتيح لها ضمان بقاء الجسر البري من العراق إلى سوريا فلبنان، وليس خافياً أن ممرات هذا الجسر هي في المنطقة الجديدة أو الكانتون الجديد، من حمص إلى الغوطة الشرقية فالحدود اللبنانية.
وكانت الأنباء قد أشارت إلى أن طهران أعطت موافقتها على وقف النار الذي سيبعدها عن الجولان، خلال مكالمة هاتفية عاجلة أجراها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو مع الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، عشية قمة ترمب - بوتين في هامبورغ، بما يوحي ضمناً أن الاتفاق بين الأميركيين والروس على ترتيبات تقطيع سوريا مناطق تهدئة أو كانتونات مرحلية، كانت مدار مباحثات قبل قمة العشرين في هامبورغ!
إيران لم تعلّق على تكرار التأكيدات الروسية أن وقف النار في جنوب غربي سوريا هو لمصلحة إسرائيل كما قال بوتين، وأن هناك حرصاً أميركياً روسياً على المصالح الإسرائيلية، كما قال لافروف، بل على العكس قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي: «يجب توسعة هذا الاتفاق ليشمل جميع أنحاء سوريا ويضم كل المناطق التي ناقشناها في محادثات آستانة»، بما يوحي أن المنطقة الجديدة ستضمن من جهة بقاء الممرات الإيرانية، ومن جهة ثانية استمرار نفاذ كلمة طهران في دمشق.
كان من الواضح أن تركيا التي شاركت في مفاوضات آستانة، تنظر إلى الاتفاقات على مناطق خفض التوتر ووقف النار، كفرصة ذهبية تسمح لها بالتحرك وإطلاق العملية العسكرية، التي سبق أن لوّحت بها في شمال غربي سوريا، وسمتها «درع العاصي»، وهدفها السيطرة على مساحة بعمق 83 كيلومتراً وعرض 35 كيلومتراً، وتشمل ريف حلب الغربي ومحافظة إدلب، وهكذا مع وصول الجنود الروس إلى ريف درعا في الجنوب، صعّدت عملياتها فقصفت ريف عفرين مستهدفة مراكز «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من واشنطن، التي تتقدم للسيطرة النهائية على الرقة!
إن اتفاق وقف النار في الجنوب الغربي فتح مساراً روسياً أميركياً طويلاً في سوريا، ففي الجولان شريط حدودي يناسب إسرائيل، ومن حمص إلى القلمون شريط يناسب الممرات الإيرانية، وفي الشمال طموح تركي لشريط مماثل، والسيد لافروف يدعو المعارضة إلى وقف محاولاتها لتغيير النظام الذي سيبقى في دولة الساحل أو فيما يسمّى سوريا المفيدة!
المفيدة؟
طبعاً المفيدة لجميع الذين ينشطون في كانتوناتها التي ترتسم تباعاً.
الشرق الأوسط