حوادث السير: تطلعات لكبح جماحها
أ.د.محمد طالب عبيدات
23-07-2017 12:19 AM
مجازر حوادث السير التي تقع على الطرق كنتيجة استهتار بعض سائقي الحافلات الكبيرة والمتوسطة باتت مؤرقة، وكثير من الأمثلة الصارخة تدل على حجم الحرب غير المعلنة في حوادث السير من قبل فئة مستهترة، ولا أستطيع ان أطلق على مرتكبي هكذا حوادث الا مجرمي السير.
فسلوكيات الكثير من سائقي المركبات الكبيرة كحافلات النقل الجماعي وتنكات المياة والشاحنات والقلابات وغيرها فيها طيش ولا مبالاة واستهتار بأنفسهم والاخرين، وأسباب الاستهتار متعددة أساسها عدم تطبيق القانون بصرامة على هذه الفئة القليلة والتدخلات والواسطات التي تسعى لاخراج هؤلاء المستهترين من العقاب وفق قانوني السير والعقوبات، وهذا ما أشار له جلالة الملك المعزز في ورقته النقاشية السادسة وفق دولة القانون وتطبيقها بصرامة من قبل الدولة واحترام القانون من قبل المواطنين على السواء.
فحوادث السير بالاردن مع الاسف معظمها ناتج عن عدم وعي مروري وأزمة أخلاق عند الطرف الاخر، وهنالك طيش وعدم مسؤولية كبيرة عند البعض مما يتسبب في جملة من الحوادث، فالحوادث تزهق الارواح وتعيق حركة البعض وتؤدي لمشاكل عدة، واتقاء شر الاخرين حتما هو مفتاح تجنب الحوادث، فالحوادث الرئيسة ناتجة معظمها عن أخطاء للآخرين تقع عليك وليس العكس، والاستهتار والطيش وعدم المسؤولية وعدم الوعي عند البعض من الشباب سبب رئيس في الحوادث والتي معظمها أساسه العنصر البشري والتي تجعل من سمعة وطننا في هذا المجال احصائياً يقبع في المرتبة الرابعة عشرة في قاع قائمة الدول الأكثر حوادث مرورية في العالم بسبب تفاقم نسب الحوادث فيها.
هنالك فرق بين وقوع الحوادث كنتيجة للايمان بالقضاء والقدر من جهة والاستهتار وعدم المسؤولية من جهة أخرى، فمعظم الشباب مسببي الحوادث يعانون من نقص في الثقافة المرورية والمسؤولية والتي تؤول حتماً لمشاكل في السلامة المرورية، ولهذا فاننا نحتاج لبرامج توعوية لتعزيز الثقافة المرورية وثقافة القانون عند الكثير من السائقين، فقطع الاشارات الحمراء والقيادة عكس السير وتصرفات على شاكلتها جرائم لا تغتفر أثناء السير والمرور.
مطلوب أشياء كثيرة لتعزيز السلامة المرورية في الاردن وأهمها التوعية المرورية وتخفيف أعداد المركبات بالنسبة للمواطنين وايجاد نظام فعال للنقل العام وتفعيل قانون سير معزز لعقوبات رادعة للمخالفين وضبط السلوكيات الرعناء، والكثير من الاجراءات، ومطلوب اجراءات جديدة أكثر صرامة مع المخالفين والمستهترين وخصوصاً مجرمي السير، فالاخلاق لوحدها لم يعد يعول عليها في ضبط سلوكيات السائقين لكننا نحتاج لقانون سير رادع لضبط مخالفات السائقين ونحتاج لصرامة وعدالة في تطبيقه، كما نحتاج لتجريم استخدام الخلوي ابان القيادة ونحتاج لتشذيب وتصويب الكثير من التقاطعات المرورية والسلوكيات الخاطئة.
حوادث السير في الأردن مكلفة للاقتصاد الوطني الأردني، فمقتل ما يقرب من ألف شخص سنوياً اضافة للخسائر المادية والمعنوية الناتجة عن ذلك تكلّف ما يقرب من مليار دولار سنويا، كما أن الخسائر البشرية والويلات الاجتماعية والانسانية الناتجة عن ذلك لها ثمن كبير جداً من حيث الأبعاد النفسية وغيرها.
حوادث مرورية مأساوية حصلت في الآونة الأخيرة، شاحنات تتهوّر كنتيجة للسرعات الزائدة والطيش المروري وتعصف بالعشرات من المركبات والنتيجة تحطيمها وبعض الأموات والجرحى بالعشرات، والمسلسل مستمر، مع الأسف. اللافت في الأمر أن المركبات الثقيلة هي الأكثر مأساوية كماً ونوعاً في حوادث السير.
الأمر له منظوران: الأول سلوكيات سائقي المركبات الثقيلة ونفسياتهم بالغلبة للأقوى، والثانية ضعف التشريعات والرقابة على الحركة المرورية لهذه المركبات تحديداً، فسلوكيات «معظم» سائقي المركبات الثقيلة كالشاحنات والباصات وتنكات المياه وتنكات البترول والقلابات وباصات الكيا والبكبات وغيرها فيها الكثير من السلبيات والتهوّر والطيش والاستهتار وتعطيل الحركة المرورية، وسلوكياتهم تعكس نفسياتهم المؤمنة بقوّة مركباتهم مهما حصل حيث الغلبة للأقوى، مستفيدين من الوضع العام في هذا الصدد، فالسرعة الزائدة وعدم الاكتراث للنتائج وضرب الحائط بقوانين المرور عناوين عريضة لقيادتهم للمركبات.
الأصل منع المركبات الثقيلة من دخول المدن في فترات الذروة والنهار والسماح لهم في ساعات محددة بعد منتصف الليل كما هو مطبق في معظم دول العالم، وتغليظ العقوبات المرورية والتأكيد على تطبيق القانون ووقف التدخلات والواسطات في هذا الصدد بداية حلول المشكلة، فسائقو المركبات الثقيلة بحاجة لاعادة تأهيل ومسيرتهم المرورية بحاجة لتصويب وعقوباتهم يجب تغليظها.
أصبحت بعض سلوكيات سائقي المركبات الثقيلة وغيرها مغامرات غير محسوبة تؤدي حتماً الى فوضى وحوادث مرورية أبطالها بعض السائقين الطائشين وغير الواعين وبعض المشاة، وبالطبع ينشأ عن ذلك أزمات مرورية كبيرة بالكاد أن يخرج البعض من عُنق زجاجتها وخصوصاً داخل المدن، بصراحة أنا شخصياً أقول إن المسألة ليست «أزمة مرور» بقدر ما هي «أزمة أخلاق» يعاني منها «البعض» والذي يسيء لنسيجنا الاجتماعي الأنموذج، والدليل على ذلك بعض السلوكيات الطائشة من بعض السائقين التي يندأ لها الجبين!
حلول الأزمات المرورية ربما تبدأ بالالتزام بقوانين السير والوعي المروري مروراً بفنّيات السياقة لكن الأهم المحافظة على أخلاقياتنا في احترام كل شيء: قوانين السير والسائقين الآخرين وحقوقهم اضافة الى حقوق المشاة وكل الناس.
لنعترف بأن الأزمة المرورية الموجودة بالأردن لم يكن يوماً سببها مواضيع السعات المرورية للطرق أو كثرة عدد المركبات أو نقص في شواخص المرور أو ضعف في ادارة حركة السير وغيرها، لكن الحقيقة تكمن في أزمة أخلاقية متأصّلة يعاني منها «البعض» كسلبيات في سلوكياتهم ويتحمّلوا مسؤولية اساءتهم لبقية الشعب الأردني والوطن برمّته، فأكثر من 85% من حوادث المرور سببها سوء سلوكيات السائقين، ومنها أكثر من 80% تُعزى للسرعات الزائدة، ومعظم سائقي التاكسي «الغيمة الصفراء» والبكبات وتنكات المياة والباصات والشاحنات يعتقدون بأنهم يمتلكون «كواشين» الطرق وهي «مطوّبة» لهم بالمجان، فلا يراعون أدنى سلوكيات ايجابية في قيادتهم لمركباتهم، وسلوكيات معظم السائقين تختلف جذرياً في حال وجود شرطة المرور عنها في حال عدم وجودها، كمؤشّر على أن الناس تتألم من «جيوبها» كنتيجة المخالفات أكثر من أي شيء آخر.
مجموعة سائقي «كيف ترى قيادتي» هم الأكثر مخالفات بين السائقين، حيث كانت السياقة «فن وذوق وأخلاق» وأصبحت الآن بدون ذوق وأخلاق وأحياناً تتجرّد حتى من فنّياتها.
نعم نحتاج لتغلظ عقوبات قانون السير وصرامة تطبيق القانون وعدالته لردع المخالفين، ولن أنسى أن سياقة «معظم» النساء مُربكة للآخرين لكنها تُشكّل حالة التزام ايجابية بقوانين السير، فمعظم السائقين، مع الأسف، يتعاملون مع الآخرين على نظرية «الأولوية في المرور للمركبة كبيرة الحجم أو التي سائقها يتعدّى على حقوق غيره، دون مراعاة أولويات المرور»، كما أن ظاهرة سياقة الشباب غير المرخصين منتشرة هذه الأيام، ويعملون على «البَتْوَنة والتخميس والتشحيط وغيرها»، والسؤال المهم أين أهليهم عنهم؟ ولذلك أجزم بأننا نستطيع ضبط بعض سلوكيات سائقي المركبات غير الملتزمين من خلال تضافر الجهود بين الجهات المعنية كافة: الأسرة والجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها، لتتغير ثقافتنا المرورية وثقافتنا المجتمعية، ونحتاج لنتقي الله في هذا الوطن حفاظاً على صورته وسمعته وانتماءً له.
وتالياً بعض الأفكار للمساهمة في حل الأزمات المرورية وبعض السلوكيات الخاطئة في حركة المرور: نحتاج لربط صلاحية المركبات مع صداقتها للبيئة من حيث فحص عوادمها كل ستة أشهر ومنحها التراخيص اللازمة للسير بالشوارع أم لا، فالمركبات القديمة تستنزف الطاقة وتشكّل خطورة على سلامة السائقين والمشاة، ونحتاج لشطب المركبات التي يزيد عمرها عن عشر سنوات واستبدالها بمركبات حديثة لتحقيق عدة مأرب منها: تحريك نمو الاقتصاد الوطني والتقليل من الضوضاء البصرية والبيئية والتخفيف من الحوادث ومصروف الطاقة ودعم الخزينة جمركياً وغيرها، ونحتاج لدعم خطوط النقل العام وتعزيزها بحافلات حديثة وايجاد نظام نقل يُعتمد عليه ومعزّز بمواقف وخطوط تخدم المواطنين دون تأخير، ونحتاج لتقديم الدعم النقدي المباشر من قبل الحكومة لمستخدمي وسائل النقل العام لتنعكس على تخفيض الأجرة لغايات تشجيعهم على استخدامها دون تردد، ونحتاج لتعديل قانون السير بحيث يؤكّد على دفع مخالفات السير خلال فترة أسبوعين على الأكثر مع تغليظها لغايات ضبط بعض السلوكيات التي تُساهم في أزمات المرور، ونحتاج للاسراع في مشاريع السكك الحديدية والنقل الجماعي وفق الخطط الوطنية لغايات اغراء مالكي المركبات لبيعها واستخدام وسائل النقل العام، ونحتاج لتنظيم دخول الشاحنات والمركبات الكبيرة لداخل المدن في أوقات محددة ولفترات قصيرة، ونحتاج لمراقبة أكثر للمركبات الثقيلة في كثير من القضايا، ونحتاج الكثير في مسألة تدريب وتأهيل السائقين ومجال التوعية المرورية، ونحتاج للكثير في ادارة العملية المرورية، ونحتاج أكثر!
وزير الأشغال العامة والاسكان الأسبق
الدستور