صحيح أن الكثير مما اثير خلال الايام القليلة الماضية حول التعليمات الجديدة للزواج المبكر غير دقيق، لكنه ضروري ومهم، فقد روجت وسائل إعلام وناشطون بان التعليمات الجديدة اباحت ما كان محظورا، وهذا الامر غير دقيق؛ فقانون الاحوال الشخصية للعام 2010 حدد سن الزواج بالثامنة عشرة للزوج والزوجة مع جواز تزويج من أتم الخامسة عشرة منهما ولم يكمل الثامنة عشرة بشروط. وحسب خبراء فان التعليمات السابقة اصبحت قاعدة والقانون هو الاستثناء، ما تطلب اصدار التعليمات الجديدة التي تضع المزيد من القيود على هذا النوع من الزيجات، ومع هذا وذاك تبقى المناقشة التي تصاعدت خلال الايام الماضية مهمة وضرورية لكي يبقى هذا الملف مفتوحا، فما يحدث بحق الفتيات والاولاد وصمة عار بالمعنى الاجتماعي والسياسي.
يصنف زواج القاصرات دوليا بانه ضمن الرقيق الجديد وشكل من اشكال العبودية، وتحديدا حينما يكون الدافع وراء هذا الزواج اسباب اقتصادية ما يجعله اتجارا حقيقيا بالبشر وضربا بالحائط بابسط حقوق الاطفال. ومن المعيب ان يصنف الاردن من بين اكثر البقع السوداء لانتشار هذا الشكل من الرقيق. ليست المشكلة في ان هذه الدولة تسمح وتلك تمنع هذا النمط من الزواج، المهم قوة انتشار زواج القصر من البنات والبنين على حد سواء، فقد وصل معدل انتشار هذا الزواج الى نحو 13 % من حالات الزواج المسجلة رسميا. ان الزواج القسري للفتيات والاولاد وبيع الأطفال واستغلالهم هما من ابشع اشكال العبودية المعاصرة، وللاسف ازدادت اوضاع العبودية المعاصرة سوءا في الأردن، فقد زاد عدد من يعانون من العبودية من 31 الفا في تقرير 2014 الى 42 الفا في تقرير 2016، واحتل الأردن الترتيب 57 على مؤشر العبودية العالمي من بين 167 دولة شملها التقرير، ووصل في التقرير الاخير الى الترتيب 85 بالمقارنة بين عدد السكان ومن يصنفون ضمن هذه الفئة. ورغم أن وجود دول اخرى في الاقليم تجاوزت الأردن في اشكال اخرى من العبودية وممارسة الرق الا ان الممارسات الموجودة في الأردن مرتبطة بجذور اجتماعية وبمحددات سياسية اكثر من كونها اقتصادية ما يجعل التغيير يقع في دائرة السهل الممتنع.
شكل اخر من اشكال العبودية في الأردن يزداد بقوة، هو عمل الاطفال، ففي نفس الوقت الذي اثيرت فيه قضية الزواج المبكر صدرت تقارير اخرى تشير الى الارقام الصادمة التي وصلت اليها عمالة الاطفال التي بينت ان عمل الاطفال في الأردن ازداد نحو %130 خلال اخر عشرة اعوام، اي أن عدد الأطفال العاملين في المملكة (دون 16 عامًا) يقرب من 76 ألفًا، مقارنة مع 33 ألفًا في 2007. منهم نحو 45 الف طفل يعملون في مهن خطيرة.
الظروف السياسية والامنية في المنطقة وبالتحديد الازمة السورية لعبت دورا في ازدياد ممارسة هذه الاشكال من الرق المعاصر في الأردن، اي زواج الاطفال القسري وعمل الاطفال، ويمكن ان يقال الكثير من الكلام العاطفي عن حماية بناتنا وابنائنا من هذا المصير، ويمكن ان يقال كلام مؤثر يدعو كلا منا ان يضع نفسه في هذا الموقف، ويمكن ان يقال كلام قوي وخطير عن ارتباط هذه الممارسات بتهشيم المجتمع وما تبقى فيه من رأس مال اجتماعي من الارتفاع المرعب لمعدلات الطلاق الى تهشيم شكل الاسرة الاردنية وصولا الى انتشار الدعارة. لكن الكلام الأهم من كل ذلك ان هذه التحولات الخطيرة وصلت الى درجة تحتاج الى قرار سياسي تاريخي يوقف هذا الانحدار الاجتماعي.
الغد