تشغل المرأة أعلى المناصب في هذه الأيام. بيد أنها واجهت الكثير من الاعتراض وحتى السخرية في وصولها إلى هذه المكانة. عندما فاز آيزنهاور بمنصب الرئاسة في الولايات المتحدة في الخمسينات، تذكر أن امرأة، السيدة كلير لوس، قد اعتمد عليها كثيراً في حملته الانتخابية، فخطر له أن يكافئها بشيء مناسب. عرض عليها تعيينها في منصب وزاري فلاحظت خضم المشاكل التي ستواجهها في التعامل مع المجتمع الرجالي فاعتذرت عنه. وفهم آيزنهاور مشاعرها في هذا الأمر. امرأة بين الرجال! ثم نظر فوجد أن السفارة الأميركية في روما كانت شاغرة. وما أحب هذا المكان في قلوب النساء الغربيات. روما موطن الفنون والأوبرا والبهاء. وافقت على تسلم المنصب.
كانت العاصمة الإيطالية مركزاً معروفاً للذكورية لا ينافسها في ذلك حينها غير المجتمع الرجالي العربي. ما إن سمع الإيطاليون بتعيين امرأة سفيرة عندهم حتى ثارت ثائرتهم، واعتبروا إيفادها إلى روما إهانة لإيطاليا برمتها، فنشرت صحفهم شتى المقالات التي تندد بالولايات المتحدة ورئيسها. وتلاقف الساخرون هذا الموضوع فنشرت إحدى الصحف تصويراً لعلم الولايات المتحدة موشى بالدانتيلة النسائية، بيد أن ذلك لم يثنِ الجنرال آيزنهاور ولا السيدة لوس عن المهمة. فقدمت أوراقها لرئيس الجمهورية الإيطالية والبابا في الفاتيكان.
لم تمضِ غير أشهر قليلة حتى بدأت السفيرة الجديدة تشعر بالمرض والنحول وظهور آثار مرض غريب على جسمها. راجعت الأطباء فأجروا سائر التحاليل والفحوصات دون أن يصلوا إلى شيء. ازداد الأمر غموضاً عندما اختفت هذه الأعراض حال رجوعها إلى الولايات المتحدة في إجازتها السنوية. عادت إلى روما وعادت هذه الأعراض والعلل إليها. فكرت في الاستقالة والرجوع إلى بلدها. لقد اختمرت في ذهنها فكرة أن المحيطين بها من الإيطاليين الذين اعترضوا على تعيينها سفيرة لدى بلدهم قد أخذوا يدسون سماً بارعاً لها بحيث يصيبها بكل هذه العلل ويمهد الطريق لموتها. حولوا الموضوع إلى الشرطة، ولكن رجال الشرطة أيضاً عجزوا عن العثور على أي خيط يقود إلى جريمة أو سوء فعل.
أغرب وأغرب. بدأ الغرامفون الصغير في غرفتها يشذ في عمله أيضاً. وعندما بعثت به للتصليح وجد المصلح أن العطب يعود إلى غبار أبيض استقر على الأدوات الحساسة في الغرامفون. تطلب ذلك فحص الغرفة فوجدوا نفس الغبار يغطي الكثير من موجودات الغرفة. فحصوه فوجدوا أنه يحتوي على بعض مركبات الزرنيخ القاتلة. ولكن من أين جاء هذا الغبار ومن دسه في الغرفة؟ ثم ظهر أن السفيرة نقلت غرفة نومها من الغرفة المخصصة للنوم في القصر المنيف إلى غرفة صغيرة أعجبتها فيها الزهور المرسومة على السقف. وكانت هذه الأوراد مرسومة بمادة زيتية تضم مركب الزرنيخ.
عرف السبب فزال العجب. ضحك الإيطاليون فقالوا ألم نقل لكم؟ هذا ما تحصلون عليه من المرأة. تحب الأوراد فتختار غرفة مزينة بها للنوم بدلاً من الغرفة الفسيحة المخصصة للنوم. اختر امرأة للعمل فتحيطك بمشاكلها! هكذا قالوا.
الشرق الأوسط