النائب العودات يكتب لـ عمون: العودة إلى أصل الصراع
عبد المنعم العودات
20-07-2017 02:16 PM
خاص لـ عمون
يشاء القدر أن يحدث الاشتباك المسلح يوم الجمعة الماضي في باحات المسجد الاقصى لكي يلخص لنا من جديد طبيعة الصراع القائم في هذه المنطقة، ويعيد صياغة المشهد ليرينا من بين الركام والغبار المثارة على امتداد الوطن العربي، خاصة سوريا والعراق وليبيا واليمن أصل الصراع والاهداف الحقيقية لما يشهده العالم العربي من تخريب منظم، سبق وان تحدث عنه رموز الفوضى الخلاقة علنا على مدى السنوات القليلة الماضية!
بغض النظر عن الآراء المختلفة حول خلفيات العملية التي قام بها ثلاثة شبان من مدينة ام الفحم المحتلة منذ عام 1948 فقد فتح ذلك الحدث، ورد الفعل الاسرائيلي عليه الباب على مصراعيه للنظر من جديد في الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين كلها، وليس للضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة كذلك، فالشهوة الواضحة لدى سلطات الاحتلال للسيطرة على الحرم القدسي بدت واضحة وهي تستغل الواقعة لكي تحكم سيطرتها على البلدة القديمة ومحيط المسجد الأقصى، وتنفيذ مخطط معد سلفا لتكرار سيناريو الحرم الابراهيمي الشريف في مدينة الخليل بعد الجريمة النكراء التي ارتكبها الطبيب اليهودي المتطرف باروخ غولدشتاين وراح ضحيتها تسعة وعشرون شهيدا مصليا واكثر من خمسين جريحا كانوا يؤدون الصلاة فجر يوم الخامس والعشرين من شهر نوفمبر 1994.
وضعت سلطات الاحتلال بعد تلك الجريمة بوابات التفتيش الالكتروني التي تحولت فيما بعد إلى بوابات حديدية ووضعت خطة للتقسيم الزماني والمكاني لكي تسمح لليهود الصلاة في ذلك المسجد الاسلامي الذي يعد الرابع في قيمته الدينية والقدسية وهي اليوم على وشك تطبيق الخطة ذاتها !
المقدسيون يعرفون تلك الحكاية جيدا، وذلك هو سبب رفضهم الدخول إلى المسجد الأقصى عبر تلك البوابات "الفخ" ويواصلون الاعتصام والصلاة عند بوابات الحرم ومستعدون إلى أبعد من ذلك في سبيل إزالة تلك البوابات وإعادة فتح المسجد والدخول غليه بحرية تامة وافشال المخطط اليهودي.
كل ذلك مجرد وإشارات لما هو أبعد، فالمشروع اليهودي يتجه نحو القدس عاصمة يهودية أكثر منها عاصمة موحدة ابدية "لدولة اسرائيل"، وفي يقيني أن كل ما جرى ويجري على الساحة العربية هو من اجل أن تحقق إسرائيل ذلك الهدف، وليس الصراع المحتدم على الساحة العربية الذي اكتسب بعدا دينيا اسلاميا، سواء على مستوى السنة والشيعة أو الصورة الإرهابية المشوهة لديننا الحنيف إلا تمهيدا لتلك اللحظة التي لا يقف في وجهها من الناحية العملية سوى الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية والأردن ملكا ودولة وشعب.
قد يظن البعض أن هذه المعادلة ليست متساوية وأنه في غياب العالم العربي والإسلامي الغائب أصلا سيختل ميزان القوة، ولكن على العكس من ذلك فإن صمود الشعب الفلسطيني وما يبديه من قدرة على التعامل مع المخطط الاسرائيلي وكذلك القيمة الحقيقية للولاية الهاشمية التي تكتسب بعدا قانونيا بحكم اتفاقيات وتفاهمات وادي عربة يشكلان معا مصدر القوة المؤثرة التي ستمنع ذلك المخطط، إلا إذا كانت القيادة الاسرائيلية قد بلغت مرحلة من الصلف وغياب العقل وحتى الجنون لكي تقدم على عمل سيؤدي حتما إلى قلب المعادلة رأسا على عقب، ويغير مصطلحات الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع ديني تكون فيه الكلمة الحاسمة والحازمة والنهاية لرب العالمين.
ما يواجهه الأردن في اللحظات الخطرة أكبر بكثير مما يعتقد البعض، وموقفه الاستراتيجي من هذه القضية يتجاوز حل المشكلة عن طريق ازالة البوابات الالكترونية لكي يدخل المصلون إلى المسجد، فالمشكلة الحقيقية تكمن الآن في ازالة العوائق مهما كان نوعها من عقول القيادات الاسرائيلية التي يتوجب عليها أن تتذكر دائما أن الأردن هو الذي طرح نظرية "السلام لنا ولكم" أي لنا جميعا، فإن لم يكن ذلك فالنظرية ستحضر ولكن بالمقلوب !