أن تقرأ في زماننا العربي مطلع القرن الماضي ، وأن تحاول تتبع سيرة شيخٍ جليلٍ وأميرٍ عربيٍ ، وملكٍ مؤسس ، في هذا الزمن العربي حاجة ، فالاستحضار لسير الرجال بات علينا لزاماً خصوصاً وأن الأجيال الشابة تبحث دوماً عن الأنموذج ، وعن السيرة ، وتحاول تلمس حاضرها وتتبع خيوط ماضيها .
والشباب الأردني خصوصاً ، والأردنيون عموماً ، يملكون سيرة ما زالت بحاجة إلى الكثير من البحث والتدقيق والدراسة ، سيرة الملك المؤسس الشهيد – طيب الله ثراه - .
فعبدالله الأول كان عضيداً لوالده الشريف الحسين بن علي (طيب الله ثراه ) في مشروعه القومي ،والمؤتمن على صياغة علاقة المشروع بالآخر سياسياً ، إذ كان وزير الخارجية في حكومة الحجاز ، إضافةً للدور العسكري الذي لعبه في قيادة جيش الثورة الشرقي ، وحصار الطائف من قبل جيوش الثورة العربية للحاميات العثمانية في المدينة .
وعلاوة على ذلك ، فأن الحس الأدبي للأمير عبدالله بن الحسين ، وعلاقته بالأدباء العرب ، صاغت له موقعاً مرموقاً في عصره ، فترى كثيراً من قصائد ومكاتبات بينه وبين شعراء سوريا ولبنان والعراق والحجاز وغيرها .
ذلك الزمان ، حيث زمان الثورة ، فالحفاظ والاستمساك بناصية الحلم ، جعل من الملك المؤسس علامة فارقة في تاريخ المنطقة العربية ، فهو السياسي حين يمسك بالمشروع ، ويرى في الأردن بدايةً لكي يتجاوز حلم الوحدة العربية ما شابه ، إذ كثيراً ما وصف عبدالله الأول ما جرى في معركة ميسلون التي أنهت أول دول الثورة العربية الكبرى ، سوريا الكبرى ، بأنها الضربة الحادة .
ولم ير في تأسيس إمارة شرقي الأردن ، على حدود وحواف ملتهبة سوى أسلوباً لكي يبقى للحلم العربي مساحة رغم غدر الحلفاء ، وتشتت الحلم ، فأخذ يلملم في عمان أحرار العرب ، موقنا أن دولة كشرقي الأردن من الممكن أن تكون صرحاً للعروبة .
أمام هذه السيرة الممتدة ، لحاكم عربيٍ ، واجه متحولات ٍ في بدايات التأسيس بحس الأديب وحنكة السياسي ، أسس عبدالله الأول وطناً قادراً على المسايرة والاستمساك بالمبادئ ، ليواجه لاحقاً تبعات الحرب العربية الاسرائيلية عام 1948 م ، موقنا أن الروح الانهزامية والاستسلام لن تفيد العرب والأردن بشيء ، وكان قد خبر بما خاضه من تجارب ومجريات الثورة العربية الكبرى ، ماذا تعني ضياع روح النصر وكبوة الحلم ، فعاد من جديد ، يدعو لوحدة ٍ أردنية فلسطينية ، وأعاد صياغة مشروعٍ عربي ٍ آخر هو مشروع سوريا الكبرى ، إذ ترى وكأنك تقرأ في سيرته ، كيف يكون الحلم والحكم العربي .
اليوم ، وبعد جيلين من عبدالله الأول المؤسس ، الشهيد على عتبات مدينةٍ بقيت هي آخر مساحات الحلم ، صدق خطاب هذا الوطن ، وصمدت طروحاته ، بفضل تلك الروح التي زرعها الملك المؤسس ، فكان من زمانه إلى زماننا زمانٌ كله صعاب ، ولكنه بقي زماناً وحلماً أردنياً خالصاً .
الرحمة لروح الملك الشهيد ، وحمى الله الأردن الهاشمي . .