غزة العزّة .. والعزّة لها
عمر كلاب
29-12-2008 02:51 PM
لا نستعير من اللغة مفردة ولن نستعير فالمدينة البحر اكبر من كل المفردات ، ولن نستعير من قواميس الادعية الورعة دعاء يليق بحجم المجزرة وبارواح الضحايا لأن دعاءنا ملح على جروحهم ، ولن نشيد ببطولتهم وصمودهم ونحن نمارس قبحنا اليومي وطقسنا اليومي وكذبنا اليومي وذّلنا اليومي.
منذ زمن والهوى المجاور واللكنة المجاورة تمارس عبثها في غزة ، تستبيحها تارة بالاغلاقات وتستميحها تارة بادخال الطحين الفاسد واستقبال المخادعين ممن انحرف عن المسيرة والمسار وتعبث بالمراسيل التي يحملها صاحب النظارة السوداء والجريدة المخرومة مقابل فتحات العين.
غزة تستريح الان على الجثث الطرية والعظام البيضاء التي تتقرقش تحت الاسنان ، فلحم الطفل يصلح للشواء ولحم الشيوخ يصلح لطبق مثل المفتول الغزاوي ويمكن استصلاح لحم ذلك الشاب الذي نطق الشهادتين قبل اغفاءة على بحر غزة لطبق سريع يقدم على عجل في اجتماع الاربعاء المقبل او لطبق جماعي في الجمعة المقبلة.
نستأذن الضحية التي لا نعرف اسمها باننا لن ندخلها في قوائم الشهداء ، فهي لا تحمل هوية ممغنطة ورقمها الحزبي استطالت لحيته باكثر مما يسمح منتج الشفرات الامريكي وتفيد تقارير سابقة بانه ازدادت حماسته ذات دعاء على الامريكان والاسرائيليين ولذا نعتذر فالمواصفة الحديثة للشهادة لا تنطبق عليه.
نعتذر من الطفلة التي فقدت اهلها بعدم ادراجها في مؤونة القصف القادم فثمة من هم اصغر منها سيكونون قد احتاجوا حصتها من الحليب المجفف ولن تستيغ طعم الدم المذاب فيه فهو ليس طازجا مثل رضعتها الاخيرة.
نستأذن الامهات بألاّ ينجبن فلا مجال للمراثي ولحرقة القلب على ابناء اشقياء لم يتعلموا ان العالم ليس لهم وان الجلاد اصدق قوة من حقهم المسلوب والمنهوب.
نستأذن تجار السياسة والنخاسة والمساويين بين لحم الضحية ورصاصة الجلاد بان يمسحوا وجوههم بما شاؤوا من سوائل والا يخرجوا علينا باسماء مستعارة تارة تأخذ شكل الوقار وتارة تأخذ شكل النضال.
نستأذن تجار اللحوم بان اطفال غزة لا يحبون الشواء ، فقد اشتموا من روائحه ما يكفيهم دفء الامهات والعمات والخالات.
نستأذن غزة باننا ننجسها ان اكثرنا من ذكرها على ألسنتنا ، ونستأذنها باننا لسنا بأهل لها ونترحم على انفسنا. فلها العزة ولنا ما لنا من خجل.
omarkallab@yahoo.com