لم يجافي ميشيل عون الصواب اليوم عندما خاطب الفلسطينيين قائلا ( ما حكّ جلدك مثل ظفرك). فقد آن الآوان للشعب الفلسطيني أن يدرك أنه رغم جميع صرخات الانتفاضة التي يطلقها وبرغم كل محاولاته لاستفزاز العرب، فلن يثوروا. آن للفلسطينيين أن يدركوا أن مصالح القيادات العربية وأمور دولهم الداخلية غدت منذ زمن أعظم وأهم من الشأن الفلسطيني والدماء الفلسطينية. أن ما أكده الجنرال عون نعرفه نحن حق المعرفة. وقد أكدت لنا جميع تجاربنا أو بالأحرى مآسينا السابقة أن يدا عربية لن تمتدّ لانتشال الأشلاء المبعثرة بين قبورنا.
أتعجّب أحيانا من قدرة الفلسطينيين على التفاؤل، أم قد تكون قدرتهم على النسيان. فالشعب الرابض في غزة وغيرها من بقاع الأرض المحتلة يتوقع انجادا من _أشقّاء _ مُفترضين في كل مرة يتعرض فيها للذبح. أما آن للفلسطينيين المقيمين هناك واولئك المبعثرين في الشتات أن يخفضّوا سقف توقعاتهم من الدول العربية والمجتمع الدولي. لم يجافي الميشيل عون الصواب حين أطلق كلماته محاولا ايقاظ الحالمين منّا من غفوتهم الطويلة وسباتهم السرمدي ليفتح أعينهم ، ان ما زال بها اغماض على واقعهم المبكي والبائس والمحزن معا.
لقد أثبتت جميع الاعوام الأخيرة أن على الفلسطينيين أن يرأبوا صدعهم ويلموّا شملهم ويلتفتوا لمواجهة التحديات الجسيمة التي تقع على عاتقهم دون ان ينتظروا عونا من احد. فلو كان هناك من عون ولو كانت هناك من اغاثة عسكرية وحربية لا بد كانت قد وصلت. تحزنني براءة الشعب الفلسطيني كما يدهشني تفاؤله. اما آن الأوان لكي يدرك أنه وحده في الميدان، وحده عند المواجهة الحقيقية ووحده عندما تعلّق المشانق في ساحات موت لايعرف توقيتا ولا يميز أحدا.
قد تكون ثقة الفلسطينيين في اخوانهم العرب مستقاة من ثقتهم في ارادات الشعوب الحرّة. تلك الشعوب التي تعرف كيف تصرخ ومتى تغضب وكيف تثور. لا ألوم الشعوب العربية برمّتها، فعندي يقين بأن خلف الوجوه الجامدة قلوب تحترق، وان خلف احتشاداتهم وغضبهم الذي يمور احيانا احساس حقيقي بعمق الرابط، لكن ما نفع شعوب ثائرة دون ارادة حرة؟ ماالذي يمكنه أن تفعله شعوب متعاطفة وغاضبة لكنها مكبّلة بمئات من الاتفاقيات والمعاهدات والقيود ، شعوب وادارات غير قادرة على دفع الثمن السياسي الباهظ لقول كلمة حق.
أعتقد أنه قد حان الوقت لكي يتخلى الفلسطينيون عن أحلامهم الساذجة بتحرك عربي رسمي ، أو مساندة حقيقية على مستوى الانظمة الحاكمة. على الفلسطنيين الآن أن يترفعوا عن نزاعاتهم الداخلية ويشدوا من ازر بعضهم البعض، فالأيام قد أثبتت والتاريخ يسطّر منذ عقود أن ليس للشعب الفلسطيني الا الشعب الفلسطيني وعُمقه الشعبي العربي.
متى تُدرك يا شعبي ..أن لا مفرّ من انتفاضة ثالثة ورابعة وخامسة لانقاذ ما تبقى من الأرض..