جاوز الظالمون المدى .. نعم .. ماذا عن العرب اذاً؟
محمد خروب
29-12-2008 03:40 AM
كثيرون تساءلوا وبعضهم في غضب، عن السر الذي وقف خلف عدم كتابتي يوم أمس عن مذبحة غزة وعملية الرصاص المسكوب التي تواصل اسرائيل دحرجتها على اهالي غزة، فيما صديق معروف عنه أنه يتوفر على كثير من الدهاء توصل الى استنتاج، بأن القراءة العميقة لمقال أمس تصب في الاتجاه ذاته ولكن عبر المقارنة بين زعماء القنابل الافغانية الذين اشترتهم وكالة المخابرات الاميركية (سي آي إيه) ببضع عُلب من الحبة الزرقاء (الفياغرا)، وباتوا في خدمة عدوانها البشع على افغانستان وجزء من مشروعها الاقليمي في تلك المنطقة، وبين معظم مكونات وقادة النظام العربي الرسمي الذين لا يخفون تبعيتهم للولايات المتحدة الاميركية، اياً كانت الهوية الحزبية لساكن البيت الابيض وسترونهم أنفسهم في خدمة باراك اوباما، الذي قد يستخدم القوة الناعمة لتطبيق الاستراتيجية الكونية الاميركية، تماماً كما كانوا غب الطلب في عهد ادارة بوش المنصرفة، رغم ان الاخيرة احدثت رعباً لدى معظم تلك الانظمة، بعد استخدامها القوة الخشنة وبعد أن لوحت لهم (مجرد تلويح كلامي) بأنها في صدد التفكير باجراء تبديل في نوبة الحراسة، وأن ذلك يستدعي قيام تلك الانظمة ببعض الاجراءات الديمقراطية الشكلية داخل مجتمعاتها..
قد لا يكون استنتاج هذا الصديق خاطئاً، لأنني اردت مراقبة ردود الفعل العربية بعد أن باتت محرقة غزة جزءاً من مشهد المنطقة يصعب على احد تجاهله او التنصل من مسؤولية ما أُزهق من الارواح الفلسطينية وما سُفك من دماء ابناء هذا القطاع المحاصر من قبل الاعداء والاشقاء على حد سواء.
واذ يميل كثيرون للقول ان سقف التوقعات من امكانية حدوث أي اختراق نوعي في جدار الصمت والتواطؤ والرعب الذي استطاعت اسرائيل ان تقيمه داخل النظام العربي الرسمي بدعم ومساندة مباشرة من الولايات المتحدة الاميركية وبخاصة بعد احداث الحادي عشر من ايلول 2001 التي منحت رياحاً قوية لأشرعة واشنطن وخصوصاً اسرائيل كي تعمق سياسة غسل اليد العربية من القضية الفلسطينية وتبعات التضامن العربي واعباء العمل العربي المشترك، فان المرء يذهب احياناً الى مربع الحلم الذي نظن انه مشروع وانساني واخلاقي.. الحلم بأن تدب الحياة في موات هذا النظام العربي المتكلس والبليد والمعزول عن هموم شعبه وامته، وان يخرج من بين صفوف قادة، هذا النظام الذي أَخرج العرب من التاريخ والحقهم بقطار سريع اوشك ان يقترب من الهاوية السحيقة، نقول: الحلم بأن يخرج من بين صفوف قادة هذا النظام من يصرخ كفى..، جاوز الظالمون المدى، عيل صبرنا ولم تعد لدينا القدرة على مزيد من الاذلال والتنكيل والاهانات والبصاق الذي يقذف في وجوهنا وعلى ظهورنا..
لكنه من أسف، حلم ليلة صيف، بدده كل هذا الاحتقار الذي تكنه اسرائيل لاصدقائها من العرب وللمشكك في هذا الاستنتاج العودة الى ما يقوله الناطقون الاسرائيليون، آفي حاي إدرعي، باسم الجيش وليئور بن دور باسم السفارة الاسرائيلية في لندن وعوفير جندلمان باسم الخارجية الاسرائيلية.. ثلاثتهم يجمعون على جملة واحدة: نحن في هذه اللحظة وبعد ان بدأت عملية الرصاص المسكوب غير معنيين سوى بمصلحة سكان بلدات غلاف غزة ولا أهمية لكل ما يقال في وسائل الاعلام عن توتر (...) في علاقات تل ابيب بهذه العاصمة العربية او تلك.
ماذا عن العرب؟.
يتساءل المرء احياناً في غمرة كل هذا العار الذي يجلل هاماتنا وحال الاستخذاء والانحطاط التي بتنا عليها، ما الذي يمكن ان نراه او نعلمه لو لم تكن هناك فضائية الجزيرة، وماذا لو ان ضغوط جورج بوش وتهديداته بقصف مباني هذه الفضائية الشجاعة مصحوبة بضغوط معظم الانظمة العربية، نجحت في اقفالها او تدجينها او تحويلها الى محطة تجارية تراكم الملايين من الدولارات التي ستنهال عليها من كل حدب وصوب (رغم انها خضعت وما تزال لحصار اعلاني محكم)، كما فعلت فضائيات ومحطات عديدة تابعة لانظمة عربية، آثرت ان تسير في الركاب الاميركي وان تستقيل من اعباء القضايا القومية والهموم العربية وتقفل حدودها على نفسها وشعبها إلاّ في المناسبات وطقوس الفلكلور العربي السياسي الذي قد نشهد فعلاً فصوله يوم الجمعة المقبل. (القمة المقترحة التي قد لا تعقد بأوامر اميركية).
لم يعد الرثاء مهما ولا قيمة للكلام المنمق وما تطلقه الحناجر على الفضائيات وعبر الشوارع، اذا لم يتحول هذا الصراخ الى فعل ملموس يجبر الانظمة على تصحيح مسارات سياساتها المعوجة (حتى لا نقول كلمة اخرى) ولكم ان تدققوا في طبيعة ومعاني الكلمات التي تنطوي عليها تصريحات المسؤولين العرب وخصوصا الفلسطينيين، الذين لا يساوون بين القاتل والضحية فحسب بل هم يبررون لاسرائيل جرائمها وارتكاباتها ويقولون: ان حماس كان بمقدورها تجنب الغارات.. بل إن مسؤولا عربيا رفيعا قال في ما يشبه غسل اليدين إن من لم يستمع الى التحذير عليه ان يدفع الثمن.. والباعث على الغضب هو تنطح قاتل ومجرم حرب ما يزال الدم الفلسطيني واللبناني يقطر من يديه، للادلاء بتصريح استشراقي لافت: انني استهجن قيام اسرائيل بشن الغارات على غزة.. مجرد استهجان من قبل مجرم الحرب سمير جعجع تجاه حليفته، الدولة المتحضرة التي سلحته ومولته وشاركته جرائمه واضاءت لعصاباته سماوات صبرا وشاتيلا والكرنتينا وتل الزعتر، كي تبيد سكانها.
فهل تستغربون كل هذا التضامن الذي يبديه النظام العربي الرسمي.. مع نفسه .
kharroub@jpf.com.jo
الراي.