مع كل ازمة تصنعها سياسات كيان الاحتلال في القدس او في التجاوز على الحق الفلسطيني سياسيا او عسكريا تبرز الى الواجهة العلاقة الأردنية الإسرائيلية حاملة معها الضيق والغضب الرسمي من هذه السياسات ومعها غضب الناس ورفضهم لما يفعله الاحتلال ومطالبتهم بقطع العلاقات الرسمية، وأيضا مطالبه للأردن بأن يستعمل علاقاته الدبلوماسية للضغط على كيان الاحتلال لوقف ما يفعل.
وليس سرا ان الاردن من الدول التي آمنت عبر تاريخ الصراع العربي الصهيوني بالحل السياسي، وربما كانت هذه القناعة ناتجة عن فهم لموازين القوى وبنية العالم العربي والقوى المساندة لإسرائيل لكن هذه القناعة لم تمنع الاردن ان يخوض عسكريا كل معارك العرب منذ عام 1948 ، بل كانت له حربه الخاصة عام 1968 في معركه الكرامة التي حقق فيها الجيش الاردني انتصارا مشهودا ، فضلا عن مواجهته لحرب الاستنزاف واشكال العدوان الصهيوني وكانت قوافل الشهداء والجرحى والابطال من الأردنيين على ارض فلسطين .
واليوم هنالك علاقات عربية سرية وعلنية مع كيان الاحتلال وهنالك اجماع عربي فلسطيني رسمي على استبعاد الخيار العسكري، وهذا من حقائق الواقع العربي والفلسطيني سواء قبلناه او رفضناه، والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير في مقدمة هذا الموقف ومعها معظم الفصائل التي حتى وان رفضت التسوية الا انها ايضا لا تُمارس المقاومة ولا العمل العسكري والدليل واضح للجميع، وحتى حماس التي تعلن ايمانها بالمقاومة والتي تملك حدودا مع كيان الاحتلال فإنها لا تطلق طلقة ولا صاروخا، وما حدث خلال الايام الماضية من انتهاكات صهيونية بحق الأقصى لم تقابل من اي طرف فلسطيني بما فيها حماس الا بالمواقف السياسية والتنديد مثل معظم المواقف العربية ،ولم تفتح حدودها السلطة ولا حماس للمجاهدين والمناضلين.
ربما علينا ان لا ننسى في زحمة ما يجري ان الاردن بلد منسجم مع نفسه فهو مرتبط بمعاهدة وله علاقات رسمية مع كيان الاحتلال ومؤمن بالسلام كمبدأ رغم قناعته بأن اسرائيل تُمارس سياسة عدوانية ضد السلام ، بلد لا يدعي انه بلد المقاومة بينما يفعل غير هذا، لكنه عند وقوع اي تجاوز او انتهاك صهيوني يفعل كل ما يجب سياسيا ودبلوماسيا بل يكون أكثر صلابة في مواجهة حكومة الاحتلال من أطراف عديدة، ويستعمل كل علاقاته واتصالاته الدولية لخدمة الحق العربي ،وكل هذا ضمن قناعاته التي أولها ان الأدوات الدبلوماسية والسياسية هي المتاحة ،وانه ليس هناك حالة عربية ولا فلسطينية موحدة.
من الطبيعي ان يكون هناك رأي شعبي رافض لكل السياسات الإسرائيلية، فالاحتلال يفشل كل طريق نحو السلام الحقيقي ، وهناك من الناس من يرى ما تراه الدولة من قناعات، واخرون يَرَوْن غير هذا، لكن ما هو مؤكد ان الاردن الرسمي يعاني من السياسات الصهيونية ومن الالتفاف على الاتفاقات، وان ما يجمع الاردن وإسرائيل ليس الحب والصداقة بل المصالح ، وان الدولة الأردنية تتحرك ضمن ما لديها من أدوات يتيحها الواقع الدولي والعربي والمحلي ، وان الدولة اول المتضررين من السياسات الصهيونية التي تضع الدولة في مواقف محرجة مع الناس ،وتلحق الضرر بالاستقرار على كل المستويات.