لم يكن النجاح بإقرار "اتفاق عمان" بوقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية وليد الصدفة، بل جاء لأسباب موضوعية ترتبط بشكل وثيق بعوامل موضوعية قائمة، ساعدت جميع الأطراف المعنية على الاتفاق بالسير قدما لاتخاذ القرار، بعكس باقي المناطق الأخرى التي كان من المفترض أن تشهد القرار ذاته.
عناصر نجاح عديدة توافرت للمضي نحو تهدئة الأوضاع في الجنوب السوري، أهمها طبيعة القوى المعارضة المعتدلة في الميدان التي نسقت مع الأردن، على مدى السنوات الماضية، وتحديدا من دخلوا تحت نظرية "الوسادة"، وتدريب وتأهيل بعضها، والتي تعامل معها الأردن بالأساس للحفاظ على أمنه وأمن حدوده من ناحية.
وساهم بنجاح الاتفاق، من ناحية أخرى، الموقف المتوازن الذي انتهجه الأردن في إدارة علاقته وحدود دوره في الأزمة السورية مع جميع الأطراف.
كما ساعد على ذلك أيضا، ثبات الموقف الأردني ووضوحه من الأزمة السورية على مدار سنوات الأزمة، ويتمثل بأولوية وقف العنف والحرب هناك، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، والإصرار على "الحل السياسي"، كما استمرت المملكة بالتنسيق مع الولايات المتحدة في موضوع تدريب المعارضة المعتدلة انطلاقا من الموقف نفسه.
التقارب والتعاون مع اللاعبين الرئيسيين في الملف السوري، وهما أميركا وروسيا، أدى كذلك إلى تحقيق النتيجة ذاتها، ما يعني أن كل ما تم خلال السنوات الماضية بقيادة الملك عبدالله الثاني من علاقات وتحركات سياسية ودبلوماسية، ساعد في توفير بيئة مواتية لوقف إطلاق النار، والذي أتى على شكل إتفاق ثلاثي بخصوص جنوب غرب سورية.
عمليا، وقف إطلاق النار على طول خطوط التماس نجح منذ إعلان الاتفاق الذي ضم أيضا قوات الحكومة السورية والقوات المرتبطة بها، وأيضا قوات المعارضة السورية المسلحة، ونجح الترتيب بإبعاد المليشيات الطائفية التابعة لإيران عن الحدود الأردنية مسافة آمنة.
المباحثات لم تتوقف بين الأطراف الثلاثة، وما يزال العمل مستمرا لبلوغ هدف أبعد من التهدئة الحدودية، ويتمثل بخفض دائم للتصعيد في جنوب سورية، ينهي الأعمال العدائية ويعيد الاستقرار ويسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى هذه المنطقة المحورية.
أردنيا؛ تبقى المصلحة في دوام الاستقرار في المنطقة الحدودية المحاذية له، وإبعاد كل ما من شأنه تهديد أمنه أو التأثير عليه، خصوصا أن استمرار نجاح الاتفاق سيؤدي إلى هدوء في تلك المناطق التي خرجت منها أعداد كبيرة من اللاجئين، ما قد يؤدي إلى عودة عدد منهم لاحقا.
أما من ينتقدون الاتفاق باعتباره استهدافا لوحدة سورية، فلا أظن أن ما يجري الآن على الأرض السورية من الممكن أن يسهم بإعادة "سورية التاريخية".
وحول ما يشاع من أن اتفاقات التهدئة ليست إلا أرضية للتقسيم، فيمكن القول إن وحدة سورية ومنع التقسيم مرتبطان بالسوريين أنفسهم في مرحلة ما بعد توقف الحرب، كما أن التقسيم كفكرة غير واردة بحسب الجغرافية السورية، والمعادلة اليوم في سورية مختلفة؛ إذ لم يعد أساسها رحيل بشار الأسد، بل وقف الحرب هناك.
بالمحصلة؛ الأردن استطاع أن يحقق، بدبلوماسيته وعلاقاته، ما لم يتسنَ لأطراف أخرى عديدة فعله، وإن كان البعض، بمن فيهم أطراف عربية وإقليمية، لم يعترفوا بهذا الدور الجيوسياسي المهم، وما يزالون يصرون على إنكاره حتى اللحظة!.
الغد