أعرف يا وطني أن الفساد ينخر عظامك، وقد أدمنت ذلك مثلما أدمنت فنجان القهوة كل صباح إذ يصبح وأنا أشاهد رسومات الحجاج، وأستمع لشكاوى بنيك عند الوكيل.
وأدرك يا وطني أن الفساد ينهش لحمك، وقد اعتدت على ذلك مثلما اعتدت على كأس الشاي الساخن كل مساء إذ يمسي وأنا أقرأ للفانك والخيطان والرنتاوي.
لكن يا وطني، لم يخطر لي يوما ما أن الفساد يتكئ على "صدر" المنسف! ويفترش "صينية" المسخن!
ولم أتوقع يوما ما أن الفساد يجري مع زيت الزيتون معا في جوف "سمعه"، ويتغلغل بين دقيق خبز أبي محجوب، ويعكر
صفو مياه أبي محمد، ويتسلل بين فلافل "زعل"، ومن بين يدي "خضرة" وهي تعد الحمص والفول صباح الجمعة.
أحبك جدا يا وطني! لكنني يا وطني لم أعد أشعر بالأمان في حضنك، كما كنت أشعر عندما وضعت أول "عقال" على أول "شماغ"، وعند أول قراءة لأحاسيس التل، وعند أول إصغاء لوجع الربابة، وعند أول خطوة على ضفة نهرك المقدس، وعند أول ولادة على صفحة بحرك الميت، وعند أول نظرة على مرجانك الثائر في غور سكون البحر، وعند أول جلسة في حضرة غروب الشمس خلف رم!
أحبك جدا جدا يا وطني! لكنني يا وطني صدقا أخاف الفساد الآن أكثر من أي وقت مضى!
أحبك جدا جدا جدا يا وطني! لكن يا وطني، حتى هذا الحب أخاف عليه من الفساد!