كلمات الأغنية الجماهيرية "على طريق السلط" والتي اطلق البومها عمر العبداللات منذ سنوات، والتي اصبحنا نردد كلماتها ونرقص على الحانها بلا تفكير بالرغم من انتقاد بعضنا لها باعتبارها احد اشكال الفن الذي يكرس الجهوية والاقليمية والتفرقة، ظلت الاقرب الى الذائقة الشعبية الاردنية ومدرجة على قوائم خبراء إعداد الحفلات الوطنية والعائلية.
في كثير من الاحيان ظن البعض ان الاغنية وكلماتها لا يتماشيان مع الأدبيات التي توالدت منذ تبنينا سلسلة المبادرات الداعية الى تعميق الحس بالمواطنة والوحدة الوطنية وغيرها من الشعارات التي أشغلت الناشطين طوال العقدين الماضيين ابتداء من "اهل العزم" ومرورا بـ"كلنا الاردن". وقد دفع ذلك توجيه البعض النقد دون التوقف كثيرا عند حجم الاستجابة والترحيب الجماهيريين بالاغنية والكلمات وطريقة الاداء.
مهما كانت مواقفنا من الاغاني وانتقاداتنا فإن لأغنية عمر العبداللات هذه صدى في الروح ووقعا يذكي في نفس السامع شهوة للرقص والطرب ورغبة في الطواف في ارجاء المكان دون توقف. فمهما تكن خلفيتك الثقافية وبصرف النظر عن مكان ولادتك فانك لا تملك مقاومة دعوة اللحن وبحة الصوت المغموسة بالحب والزهو والحنين وانفلات السامعين من مقاعدهم للرقص والتوحد العفوي مع اللحن والايقاع وتقصع الارجل وضربات الاقدام التي تشكل اكبر البراهين على قدرة الكلمات والالحان على توحيد الشعور وصناعة الوجدان.
في الوقت الذي تتلاشى فيه امال الامة بتحقيق الوحدة، وفي الوقت الذي يطلب فيه الجميع الحماية من شرور ونوايا الاشقاء، وفي زمن يتسابق بعض العرب على اعلان إدانتهم لافعال المقاومة وتعاطفهم مع ضحايا المحرقة وتصديهم لكل من يلمّح بالمقاومة، فاننا لا نجد بديلا من الشدو بألحان "على طريق السلط" ونستمتع بالطواف مع كل مقطع في ربوعها والتأمل العميق في معانيها التي يمكن تحقيقها بعد أن فشلت مساعي الوحدة والتعاون بين من يملكون ما يزيد على ثلث موارد العالم من الطاقة و90 % من ثروة الأمة العربية.
الجدعا والجادور والعيزرية وعيرا ويرقا وسائر الديار السلطية مجالات تطوف بها الكلمات وتنقلها الالحان الى مسامع الناس ليعرفوا المكان ويزدادوا حبا واعتزازا وتعلقا به. اليوم ومع دخول البلاد الى مرحلة الادارة من خلال المجالس المحلية "اللامركزية" فإن السكان في سائر الديار الاردنية بحاجة الى معرفة عميقة بتاريخ بلداتهم ومدنهم وجغرافيتها وتراثها ولهجتها ومواردها وتحدياتها.
المجالس الجديدة بحاجة الى بناء هويات فرعية تشكل بمجموعها الهوية الوطنية الجامعة بدلا من الاستمرار في حالة العموميات التي لا تشكل فهما للواقع ولا تحدث التحول الذي يحتاج له مجتمعنا في الفكر والقيم والانتماء واسلوب العمل والخدمة العامة والانتاجية والإنفاق. من غير المقبول ان لا يعرف المواطنون في محافظات المملكة والمجالس الجديدة حدود مناطقهم واسماء البلدات واحواض الاراضي والموارد والمعادن والجغرافيا والطبوغرافيا والسكان.
"على طريق السلط" اغنية جامعة تربط المواطن بالموطن وتعرفه ببلدته ومحافظته ولهجته وهويته، وهي نموذج يمكن ان يحتذى في بقية المناطق والمدن والمحافظات. "على طريق السلط" أكثر من أغنية؛ إنها "كاتلوج" وأطلس وعلامة تجارية ولحن وقصة حب وعشق وهيام: "وان تعبت الرجلين نمشي ع ايدينا".. فوق كل ذلك فهي دعوة لتجاوز التفرقة على المستوى الميكروي "المحلي"، فـ"لا حارة ولا أكراد".. بل سلطية.
الغد