أصعد طريق " الميزار" ، أمر وعلى يميني مقبرة غريسا " مقبرة الشهداء "، وأسلّم على ساكنيها، وأتنسّم عبق الشهادة :" راشد ، لؤي ، أحمد توفيق ، تيسير ، وعمر " حيث يرقدون هنا ، أصعد والهواء يهزّ شجر الزيتون المنتصب على أكتاف الدرب الصاعد نحو قرية " غريسا القديمة " .
هنا غريسا ، هنا الخير حيث كانت المقر لأهلنا ، وهنا أقاموا وسكنوا في دورها ، ومن بين حيطانها نهضوا ليبنوا قراهم ومدنهم الجديدة ، أخذوا خشب السقوف لبيوتهم وتركوها " قرية بلا سقوف " ... هنا غريسا ومن مروجها زرعوا بذور الخير والعطاء ، ومن بيادرها كان الطيب عامرا ، ومن حمحمات خيولهم كان فرسان أهلنا يذودن عن الوطن الشرور ، وعلى قهوتهم وآبار مياههم التي حفروها استقبلوا ضيوفهم وحموا دخيلهم .
بيادر غريسا ، كانت مزارا للفقراء ، فلم يردوا محتاجا ، ولم ينفروا بملهوف ، يجمعون قمحهم ، فهو البذار والمؤونة ، ويصبونه في " الروزنة " في مخازن القرية ، ليوم حاجة " أو لسداد ثغر ".
أمرّ اليوم على البيادر الفقيرة ، وأجلس على " الصفا " وأناظر بيوت غريسا القديمة ، فلا صوت يرد صوتي إلا صدىً خجولا ، لا حياة هنا إلا مارّة على عجل ، بعدما كان يتزاحم الفرسان والضيفان على بيوتها : بيت بركة المعلا ، حسن الحامد ، بيوت الفرهود وغيرهم من أهلنا الطيبين .. فلا خمدت لهم نار يوما ، ولا أغلقوا بابهم على طارق ، ولا نام جائع أو عطش إذ يمرّ من دورهم قاصدا طيبهم.
قرية غريسا القديمة ، ككل قرانا الطيّبة، ولمّا تشكله القرية في وجدان الأردنيين من مكان متعلّق بالبساطة والنقاء ، ولمّا فيها من قيم التعاون وفلاحة الأرض ، قرية غريسا والتي أسماها سنديانة الأدب الشعبي الأردني الكاتب محمود الزيودي بـ "قرية بلا سقوف " تعدّ إرثا تاريخيا ومعماريا وحضاريا، سكنه أهل المنطقة من عائلات عشيرة الزيود من قبيلة بني حسن، قرية غريسا تحتاج اليوم للرعاية والإهتمام ، وتحتاج لإعادة البناء والتأهيل لتكون موقعا أثريا سياحيا ثقافيا وشاهدا على عراقة المنطقة ، ومن مرّ عليها من الأنباط العرب والرومان والعثمانيين وإنتهاء بالأردنيين من أهلنا الطيّبين .