القسم الثاني

اتابع حديثي عن رحلتي الى جورجيا بعيداً عن السياسة المباشرة سواء في منطقتنا العربية التي تغلي بالأحداث. او في العالم الذي يلعب بنا كره القدم.

ومن نفس القطار الذي اقلني من تبليسي العاصمة الى مدينه باتومي العاصمة السياحية لجورجيا ولكن بالاتجاه المعاكس، بالرغم من صعوبة الكتابة بواسطة الهاتف لكثرة اهتزاز القطار مما يجعلني اعيد كتابة كل كلمة عدة مرات. فضلا إلهائي عن التمتع بجمال الطبيعة على الطريق.

وجورجيا هي من ضمن المنطقة القوقازية وامتداداً طبيعياً لها ويحدها البحر الأسود من الغرب. وروسيا من الشمال و أذربيجان من الشرق و تركيا وارمينيا من الجنوب.

وكانت قد خضعت لحكم عدة امبراطوريات ودول مثل الرومان والبيزنطيين والمسلمين وخاصة من المغول والتتار ثم وفي نهاية القرن الثامن عشر استولت عليها الدولة العثمانية ودمرت عاصمتها تبليسي ومثلت بسكانها ثم خضعت لسيطرة الدولة القيصرية الروسية ومن بعدها للاتحاد السوفياتي الشيوعي واصبحت من تلك المنظومة الى ان حصلت على استقلالها مع بداية انهيار الاتحاد السوفياتي وذلك في عام ١٩٩١ والقت خلفها كل المعتقدات الشيوعية والاشتراكية ودوله العمال.

وفي عام ٢٠٠٨ نشبت حرب بينها وبين روسيا في منطقتي اوستيا الغربية وابخازيا انتهت بإعلان روسيا انفصالهما عن جورجيا.

وجورجيا بلد فقير ومحدود الموارد ويعتمد سكانها على الزراعة بصفه اساسيه ومعظم سكانها يقيمون في الارياف وبين الجبال الخضراء والأنهار الجارية وحيث تجد الابقار والخنازير والدواب والدواجن تسير لوحدها على الشوارع المعبدة بل بعضها يستلقي على الارض وعلى السيارات ان تجد طريقها بينهم ورغم ذلك لا تجد سائقاً يحتج او يستعمل زامور سيارته لأفزاع الحيوانات وأبعادها عن الطريق .

وبالرغم من ذلك فقد اتجهت جورجيا بواقعيه في الفترة الأخيرة للاستثمار في المجال السياحي حيث قفزت في ذاك قفزات سريعة وقد سبق وان تحدثت في المقال السابق عن السياحة في العاصمة تبليسي واليوم سوف اتحدث عن السياحة في لؤلؤه البحر الاسود مدينه باتومي .

وهذا المدينة تقع على شواطئ البحر لاسود وتمتد على امتداده وتشتهر هذه المدينة بنهضه عمرانية بارزه وتصاميم ابنيه مميزه . وتنتشر فيها مجموعه من الفنادق من مختلف الدرجات وفيها فنادق حديثه وضخمه. وحيث انني وافراد عائلتي ذهبنا اليها دون ارتباط مع مجموعه سياحيه فقد كنا ننظم كل يوم رحله الى مكان مختلف في باتومي وكانت بدايتها جولة في المدينة حيث ذهبنا الى المعلم الاثري العسكري الوحيد فيها كما اعتقد وهو عباره عن قلعه رومانية بيزنطية ترتفع ثلاثة أمتار فوق الارض ومثلها تحت الارض.

وعندما احتلتها الدولة العثمانية قامت بزياده ارتفاعها حوالي مترين وعلى شكل ابراج . كما تم اضافه مجموعه من الحفر على اطراف القلعة التي تقع في منطقه سهليه ، وهذه الحفر توجد فيها اقنيه تسهل دخول مياه الامطار الى داخل الحفرة عند تساقطها وكان يتم وضع المساجين في هذه الحفر ويتركوا فيها الى ان تغمرهم مياه الامطار ويتوفون .

تم ذهبنا الى بعض الأديرة التاريخية القديمة والتي يمكن مشاهدتها في كل مكان وخاصه على قمم الجبال .

ومن الأديرة التي ذهبنا اليها دير كان يستعمل لدفن ملوك الاسر الحاكمة داخله ويوضع فوق مكان الدفن حجر عليه معلومات عن الشخص المدفون ، وقد لفت انتباهنا ان احد القبور كانت المعلومات عليه مكتوبه باللغة العربية وقد تبين ان هذا الملك كان قد اعتنق الاسلام وعندما توفي تم دفنه الى جوار جثامين عائلته داخل الكاتدرائية مع تميزه بالكتابة عليه باللغة العربية.

وفي يوم آخر ذهبنا الى عرض الدلافين وهو الاشهر في العالم وتقع الى جواره بحيره صناعيه.

وعلى مقربه منهما تقع حديقة عامه كبيره جداً تقع ما بين المدينة وشاطئ البحر حيث توجد العديد من المطاعم والكافتيريات والعاب الاطفال المختلفة والعديد من امكن التسلية والزهور والنباتات ومقاعد لمن يرغب بالجلوس وبها طرق خاصه لممارسه ركوب الدراجات والسيارات الكهربائية الصغيرة . وبها نافورة مائية تقدم الحانها الموسيقية ورقصاتها المائية طوال الوقت. وكل ذلك في اجواء احتفاليه رائعة.

وفي يوم آخر ذهبنا الى حديقة النباتات والزهور والتي تقع خارج مدينه باتومي وتحتوي على الآلاف من انواع النباتات والزهور المستوردة من مختلف انحاء العالم والمزروعة فيها وبمناظر جميله وخلابة.

كما ذهبنا في مره أخرى الى منطقه بها شلال ماء وهو وان لم يكن كبيراً جداً الا انه يقع في منطقه طبيعية خلابة وتوجد هناك عده مطاعم تقدم الاسماك واللحوم المشوية. وقد أخذنا السائق الى مطعم يبعد عن الشلال وفي منطقه جميله. جداً واكثر ما لفت نظري في هذا المطعم والذي يقع وسط منطقه ممتلئة بالأشجار المثمرة وغير المثمرة انني عندما ذهبت للحمام فوجئت بشجره تقع داخل الحمام وتمتد من سطحه للأعلى ويبدوا انه تحتم بناء الحمام في ذلك الموقع حيث توجد الشجرة ولم تنزع من مكانها وبني الحمام حولها تماماً كما يحصل عندنا وعلى ندره الاشجار لدينا فأنه لا مانع ان نقطع المئات بل الالوف منها في سبيل اقامه ملعب او ميدان تدريب او مشروع استثماري لمستثمر محلى او اجنبي لأقامه احد المشاريع الفاشلة.

وفي يوم آخر ذهبنا في رحله الى منطقه بعيده عن باتومي حيث توجد هناك مغاره تقع في اسفل جبل وفي منطقه منخفضه فيه والنزول اليها يتم بواسطه الادراج والمغارة تشبه الى حد ما مغاره جعيتا في لبنان ولكن بدرجه اقل جمالية الى درجه كبيره. وطول المغارة حتى تخرج من ناحية أخرى منها أكثر من كيلومترين. بعدها ذهبنا الى منطقه مجرى مائي منحدر وركبنا القوارب المطاطية لمسافه قصيره.

كما أنك في جورجيا بشكل عام لا يمثل الطعام مشكله لمن هم مثلنا حيث توجد العديد من مطاعم السمك الطازج وبعض المطاعم بإمكانك انت ان تشتري السمك من سوق السمك وتذهب به للمطعم حيث يقوم هو بأعداده لك لتناوله. كما توجد العديد من المطاعم التركية والإيرانية والتي تقدم اللحم الحلال وكل ذلك بأسعار زهيده وارخص من وجبه حمص وفول وفلافل في بعض مطاعمنا.

هذا بعض من قليل مما شاهدناه في مدينه باتومي ويلاحظ انه لا يوجد بها تقريباً ما يعتمد على تاريخ وحضارة ولكنهم صنعوا من القليل الكثير .

اما اعظم ما يمكن ملاحظته ان شواطئها ليست سلعه لتباع الى مستثمرين محليين او أجانب بل ان الأبنية تبعد عن مياه البحر عده مئات من الأمتار حيث تقع الفنادق والمطاعم على شارع عريض وبعده مناطق اما مخصصه كحدائق او ملاعب للأطفال او اماكن للجلوس والتمشي وبعد ذلك شاطئ واحد ممتد على طول المدينة وبعرض عده مئات من الامتار لا توجد فيه ايه ابنيه او حواجز تستطيع ان تسير من اوله لآخره . وهو مفتوح للجميع لارتياده والجلوس عليه والسباحة في مياهه مع امكانية استئجار شمسية او كراسي بحر لمن لا يملكها.

مثلما حدث ويحدث على شواطئنا في البحر الميت والعقبة حيث بيعت الاراضي والشاطئ والمياه للفنادق، واللذين اقاموا الحواجز ومنعوا المواطنين من الوصول لمياه البحر. ومنعوا الدخول اليها الا لنزلائها وبأسعار خيالية وحتى ان المنع يمتد ليشمل نزلاء الفنادق المجاورة وكأن كل فندق عبارة عن مستعمرة خاصه للفندق يملكها ويتصرف بها كما يحلوا له في حاله لا اعتقد انها موجودة في اي مكان في العالم.

وبعد هذا تقولون ان عندنا سياحه وبعد ذلك تقولون ان عندنا وزارة سياحة.

وتنتقدون وزيرة السياحة لأنها تقضي معظم وقتها بالسياحة بالنيابة عنكم. وتطالبون بإقالتها لأنها تريد ان تمتعكم بفنون فرقة ليلى وفنانيها. اليس الاجدى بنا ان نلغي السياحة ووزارة السياحة عندنا وان نقوم بإنفاق هذه المبالغ التي تنفق عليها وعلى القائمين عليها على فقراء البلد لكي يأكلوا ويشربوا ويلبسوا، بالرغم من ان بلدنا متحف كامل للتاريخ والحضارة ولكنا حولناها الى مكاره صحية او استثمارات ماليه لشركات وشخصيات من المتنفذين.