أصبح رجب طيب أردوغان بعد فوزه في الاستفتاء الذي جرى في 16 أبريل (نيسان) الماضي، أول رئيس دولة ورئيس حكومة في آن واحد، وهو بذلك وضع كل السلطات في يديه وأحكم قبضته على الدولة بصورة غير مسبوقة وعبر "العملية الديمقراطية".
أجندة الرجل كانت واضحة حتى قبل تسلمه رئاسة الوزراء في عام 2003 والتي استمرت حتى عام 2014 وهي أجندة ترتكز على نقطتين اثنتين وهما:
أولاً: في الشأن الداخلي "أسلمة الدولة التركية والمجتمع وتفكيك نموذج أتاتورك العلماني" الذي بدأ تطبيقه في عام 1923، وزرع قيم إسلاموية – سياسية تُوظف الدين في خدمة السياسة وتحاصر القيم العلمانية– الغربية، وهو نهج يسلكه أردوغان خطوة – خطوة وبهدوء ليتجنب ردود فعل المجتمع العلماني في تركيا الذي مازال صامتاً ولم يقرر بعد طبيعة الرد المفترض على "الديكتاتور – الديمقراطي" (أظهرت نتائج الاستفتاء الذي أصبح بموجبه أردوغان رئيساً للجمهورية التركية وحصوله على نسبة 51 %، أن المجتمع التركي بات منقسماً إلى نصفين متساويين نصفه الأول إسلامي- أردوغاني والنصف الآخر علماني – أتاتوركي).
ثانياً: في الشأن الإقليمي: كانت أجندته تتمثل ومازالت في مد نفوذ تركيا الإقليمي وتحديداً في الدول العربية المجاورة، والاستثمار في حركة الإخوان المسلمين وبصورة خاصة "المصرية" والتحالف مع قطر والتنظيم الدولي للإخوان، وكانت قمة التحرك التركي في إطار هذه الأجندة الإقليمية هي فترة ما سمي "الربيع العربي" الذي ساهمت واشنطن في عهد أوباما – هيلاري كلينتون في "طبخه وصناعته"، وكان الطموح التركي مركزاً على "أخونة" كل من مصر وسوريا، وأغرى التغيير في مصر رجب طيب أردوغان في صب كل جهده العسكري والأمني والاقتصادي للسيطرة على الثورة السورية، وهو جهد باء بالفشل الذريع مما دفعه إلى عقد تحالف سري مع تنظيم داعش في أغسطس (آب) من عام 2014 لتعويض فشل تنظيم الإخوان والجماعات العسكرية المدعومة من قطر في فرض معادلة صراعية لصالحها ضمن الفوضى القائمة في سوريا مستفيداً من تمدد التنظيم في سوريا وشمالي العراق وتحديداً في الموصل.
تساهل أردوغان وأجهزته الأمنية والعسكرية بصورة كبيرة جداً مع تنظيم داعش، على اعتبار أن هذا التنظيم هو الذي بات مسؤولاً عن تنفيذ أجندة تركيا في سوريا ومصر بعد الإطاحة بحكم الإخوان وليبيا أيضاً، غير أن الأجهزة الاستخبارية في الإقليم سرعان ما كشفت الخيوط السرية التي تربط تركيا بالتنظيم الإرهابي، وبدأت بمكاشفة أنقرة بذلك بل والتحريض عليها لدى واشنطن وحلف الناتو .
في يونيو (حزيران) 2016، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريراً إثر الهجوم الانتحاري الذي استهدف مطار أتاتورك، قالت فيه إن تركيا تدفع ثمن تصعيد عملياتها في الفترة الأخيرة ضد داعش، بعد أن تساهلت في الماضي مع التنظيم الإرهابي.
واتهم التقرير السلطات التركية بلعب "دور مركزي ومعقد" في تاريخ تنظيم داعش منذ الإعلان عن تأسيسه مع انتشار الفوضى الناجمة عن القتال في سوريا.
حيث وفرت للمسلحين القادمين من الغرب ممراً آمناً عبر حدودها إلى الأراضي السورية، وفق التقرير الذي أشار، في هذا الإطار، إلى أن الدليل على أن إدارة أردوغان غضت الطرف عن مرور المتشددين عبر أراضيها إلى سوريا، هو أختام الدخول على جوازات سفر العديد من المسلحين، والتي تم العثور عليها في ملابس جثث المتطرفين الذين قتلوا في سوريا.
كما نقل التقرير عن معلومات استخباراتية أن مسلحي داعش كانوا يستخدمون هواتف تركية للتواصل مع ذويهم في الخارج، كما كانوا يقصدون المناطق الواقعة جنوبي تركيا لقبض تحويلات مالية.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية تداول النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي سؤالاً مهماً للغاية بعد انتهاء معارك تحرير الموصل من تنظيم داعش الإرهابي، والسؤال هو: أين اختفى هذا التنظيم؟ ، وأين عتاده وأين قتلاه ؟ ولم يكن في حوزة المتسائلين أية إجابات، للدرجة التي جعلت البعض منهم يصل إلى استنتاج أن "التنظيم قد تبخر" وهو استنتاج تهكمي واتهامي في ذات الوقت.
في معلومات وصلت لكاتب هذا المقال من زملاء إعلاميين يعيشون في كركوك وفي ناحية الحويجة تحديداً التي كانت مركز قيادة داعش شاهدوا بأعينهم كيف تحركت في 29 من الشهر الماضي ولعدة أيام حتى بداية هذا الشهر طائرات هليوكوبتر تركية للمنطقة أقلت مقاتلي داعش وعتادهم إلى منطقة (كاني ماسي) القريبة من محافظة دهوك، تمهيداً لنقلهم إلى الأراضي التركية، تماماً مثلما قامت الطائرات المروحية التركية بإنزال مقاتلين من داعش للمنطقة عام 2015 وإنزال مؤن وذخيرة لهم .
وحسب هؤلاء الإعلاميين، فان لتركيا قاعدتين عسكريتين في منطقة (كاني ماسي) تتحاشى بغداد وأربيل التحدث عنهما أو التحرش بهما، وهاتان القاعدتين كانتا مركز التحركات اللوجستية لداعش منذ بداية عام 2015 .
يحاول أردوغان اللعب بالسياسية كما كان يحترف لعبة كرة القدم، ولكن بات اليوم أكثر إدراكاً أن الإقليم لم يعد متسامحاً مع من يلعبون على الحبال وتحديداً في موضوع الإرهاب ودعمه.
24: