"اطلب الموت توهب لك الحياة"
ياسر ابوهلاله
28-12-2008 04:10 AM
لا أتحدث عن النساء والأطفال والشيوخ الأبرياء بل عمن لا يقل عنهم براءة وصفاء ونقاء ؛ أهل الثغور من زهرة شباب فلسطين الذين باعوا عزيز النفوس بعناد وإصرار . هم الأخبر بقوة العدو وتفوقه ، وهم الأخبر بخذلان الشقيق وصمته ، وهم الأخبر بالمستعربين والمرتزقة الذين مهدوا للمجزرة وجابوا عواصم العالم منددين ب"الأرهابيين والظلاميين و…" .
ليسوا طائشين ، بل مؤمنين ، لم يفروا من الموت كأنهم حمر مستنفرة . بدو نائمين مرتاحي الضمير لبوا نداء ربهم ، ومن ظل فيه بقية من حياة عند وصول الكاميرات كان يرفع أصبع الشهادة ولسان حاله يقول " وعجلت إليك ربي لترضى " . ليسوا أرقاما بل بشرا يحبون الحياة ؛ الحياة بكرامة .
أنهم من أمة تحب الحياة وتطلبها ، عملا بوصية الصديق والخليفة الأول" أطلب الموت توهب لك الحياة " ، لم يقرروا أن يعيشوا بضنك وهم وغم وحزن ، كم من أحلام تبخرت مع الدخان المتصاعد ! أولئك الفتية أحلامهم أن يعودوا إلى أمهاتهم وأزواجهم بقليل من الخبز الذي اخترق الحصار ، أحلامهم أن يعودوا إلى أولادهم بقبلات ونظرات رضا أحلامهم أن يعودوا ببساطة أحياء .
هل نحن أقل من البريطانيين والفرنسيين والروس و.. عندما صمدوا في وجه النازي . ألم يكن بإمكان تشرشل أن يرفع راية بيضاء ويجنب لندن قصف النازيين ويحقن دماء شبابها ؟ ألم يعدهم بمزيد من الدموع والدماء؟ من حق العالم " المتحضر " أن يقاوم ويموت بشرف وليس من حقنا ؟
أن العدوان على غزة أسوأ بكثير من عدوان النازي على أوروبا ، والذين يقاومون العدوان ليسوا طائشين بل حكماء ، يدركون جيدا قوتهم . فليس عندهم ما يخشون عليه وليس عند العدو المجرم مزيد شر تعفف عنه . وهم يعلمون العالم كيف بإمكانة ثلة مؤمنة تحدي أعتى قوة طاغية في العالم . وما كان يصمدون لولا أنهم يرون قادتهم وأبناءهم وعوائلهم يسبقونهم إلى النزال . وما كانوا يصمدون لولا أن قرار المواجهة كان قرارا إجماعيا من كل الفصائل بما فيها كتائب شهداء الأقصى في فتح .
وكأن أبو حمزة الشاري يتحدث عنهم عندما عيروه بأنه أصحابه شباب فرد مدافعا عنهم " منجزون لوعد الله إذا رأوا سهام العدو فّوقت ورماحهم قد اشرعت ،وسيوفهم قد أنتضيت ، وأبرقت الكتيبة ، وأرعدت بصواعق الموت استهانوا بوعيد الكتيبة لوعيد الله ، مضى الشباب منهم قدما حتى تختلف رجلاه على عنق فرسه ، قد رمّلت محاسن وجهه بالدماء وعفر جبينه في الثرى ، واسرعت إليه سباع الأرض فكم من عين في منقار طائر طالما بكى صاحبها من خشية الله ، وكم من كف قد بانت بمعصمها طالما أعتمد عليها صاحبها في سجوده في جوف الليل لله "
تصنع الحياة بأمثال هؤلاء ، لا بالذين يعيشون حياة الفساد والإفساد الخالية من الروح والمعنى الحياة التي وصفها الله في كتابه " أموات غير أحياء " . شتان بينهم وبين من هم " أحياء عند ربهم يرزقون " تحلق أرواحهم في حواصل طير خضر . هذا ما يؤمن به المسلمون لا ما تروجه دعاية حماس .
لقد قدم المقاومون في غزة من إسماعيل هنية إلى أصغر طفل كل شيء، كل شيء . فماذا قدمنا لهم ؟
أول شيء لا بد أن تتتراجع السلطة عن موقفها الذي عبر عنه نمر حماد الذي ساوى بين الضحية والمجرم ، واعتبر أن حماس تقوم ب" اعمال طائشة " و" شريكة في الجريمة ". وهذا المسؤول يجب أن يعاقب على تصريحه الطائش الذي لا يقل إيذاء عن قصف الطيران ، لا بد للسلطة أن تكون في غزة . على أبو مازن أن يفعل ما فعله عرفات في بيروت وطرابلس وغزة أن يكون مع شعبه . فالزعامة لا تقررها مواعيد انتخاب وإنما أن تكون كما تشرشل في الحرب العالمية الثانية في مخبئ تحت الأرض . تماما كما يفعل هنية اليوم .
لم تذهب التضحيات سدى وهاهو الموقف العربي شعبيا ورسميا يبعث من موته . ففلم يتجاوز الفلسطينيون انقسامهم عندما التحمت الضفة مع غزة ، وإنما التحم العرب مع قضيتهم . وعادت إلى مركزيتها .تخشى إسرائيل تحرك الشارع العربي وتعلم تماما أن الشارع المصري قادر على الالتحام مع غزة وكسر الحصار . وهذا التحرك هو القادر على وقف العدوان و" الأعمال الطائشة " للمجرمين الفالتين من عقالهم .
abuhilala@yahoo.com