طرد السفير الإسرائيلي فوراً
د. محمد أبو رمان
28-12-2008 03:58 AM
ما يجري في غزة، من مجازر إنسانية مرعبة ومحرقة تاريخية، يتجاوز الجانب الإنساني والأخلاقي. فدماء الشهداء والجرحى، التي تغرق بها شوارع غزة، هي بمثابة ترميز تاريخي – بامتياز- لانهيار ما تبقى من شرعية النظام الرسمي العربي العاجز.
المزاج العام في الشارع العربي لا يمكن إخفاؤه أو تجاهله: الحكومات العربية أشبه بـ"أخوة يوسف" الذين ألقوه في "غيابة الجب".
ومما يسيء إلى مصر، تحديداً، وتاريخها ومكانتها، أن يتم العدوان الإسرائيلي بعد ساعات من وعيد وزيرة الخارجية الإسرائيلية بتغيير الوضع في غزة. من أين؟.. من القاهرة. وكأنّ ليفني تشير للعالم إلى تواطؤ عربي، فيما لم يدرك وزير الخارجية المصري، أحمد أبو الغيط، خطورة تلك الرسالة، وكان صمته موقفاً تاريخياً مخجلاً، بأقل تعبير!
ما هو أسوأ من هذا وذاك، موقف سلطة رام الله المتهافت، الضعيف والمهزوز. ألم يكن الأجدى بمحمود عباس، بصفته رئيساً للشعب الفلسطيني، أن يمارس دوره الوطني والتاريخي، ليعود فوراً إلى أحضان غزة بين شعبه المكلوم المصاب، فيعلن بالفعل القاطع إدانته للعدوان الإسرائيلي والتأكيد على وحدة القضية والمصير بين الضفة وغزة، بدلاً من "التصريحات الخجولة" التي أدلى بها رموز السلطة أمس؟!
الموقف الأردني كان متقدماً، عربياً، على المستويين الرسمي والشعبي. فالملك أعلن بصورة قاطعة رفض العدوان وطالب العالم بالتدخل لوقفه، ودعا الحكومة لاتخاذ كافة الإجراءات الفورية لمساعدة الأهالي في غزة في كافة المجالات الإنسانية والطبية، والشارع الأردني كان الأكثر فعالية وسرعة في الاستجابة للعدوان.
في المقابل، تحمل المرحلة القادمة للحكومة الأردنية استحقاقا خطراً وحساساً، يتمثل بالتعامل مع الجريمة الإسرائيلية، بأبعادها الإنسانية ودلالاتها السياسية كافة.
فالجريمة الإسرائيلية هي تهديد مباشر وكبير للأمن الوطني الأردني، يتمثّل في حدّه الأدنى بتعزيز حالة الغضب والاحتقان الشعبي تجاه الحكومة التي تقيم علاقات دبلوماسية، حتى وإن كانت جامدة، مع إسرائيل.
وفي الحدّ الأعلى، تُحفِّز الجريمة الإسرائيلية بيئة التطرف وجماعاته التي تستثمر الظروف الحالية في التجنيد والتعبئة للقيام بعمليات ضد المصالح والأهداف الغربية، ولحشد الجميع وراء خطابها السياسي، وهو خطاب يغزل جيداً من خيوط الوهن العربي الحالي.
وإذا كانت المذبحة الإسرائيلية تجاوزت "المعتاد من الجرائم"! ووضعت الحكومات العربية جميعها على المحك، فيما يتبجّح الإعلام الإسرائيلي بأنّ هذه الجريمة بمباركة عربية رسمية، للتخلص من حكومة حماس. فإنّ هذه المعطيات تحتّم على الحكومة الأردنية أن تأخذ موقفاً حاسماً قطعياً يتجاوز حدود الاستنكار والإدانة.
الموقف الصارم المطلوب من الحكومة الأردنية يتمثل، بصورة أساسية، بطرد السفير الإسرائيلي من عمان، وإغلاق السفارة الإسرائيلية، واستدعاء السفير الأردني، وتعليق العلاقة مع إسرائيل في الظروف السياسية الحالية.
مطلوب من الحكومة الأردنية، أيضاً، أن تعلن أن العدوان الإسرائيلي هو بمثابة "جرائم حرب ضد المدنيين والأبرياء"، وحتى ضد الشرطة الفلسطينية، التي لا تمثل جيشاً مسلّحاً يخوض معركة عسكرية مباشرة مع القوات الإسرائيلية، وتطالب المجتمع الدولي بمحاسبة إسرائيل على هذه القواعد القانونية الدولية.
الشعب الأردني من لحمٍ ودمٍ، وبين أضلُعه كرامةٌ إنسانيةٌ عزيزة، لا تملك التنكر لمعاناة الأهل في غزة، ولا يمكن تصور أي نوع من العلاقات السياسية مع إسرائيل في ظل هذا المشهد الدموي في شوارع غزة. وأحد دلائل العلاقة التاريخية الإنسانية الكبرى مع الأشقاء الفلسطينيين هي تلك المسيرات الحاشدة التي جابت الشوارع الأردنية كافة بالأمس.
العلاقة مع "إسرائيل" باتت، خلال الفترة الأخيرة، عبئاً سياسياً وكلفة أمنية كبيرة على الأردن، ومصدر إحراج وقلق دائم في العلاقة مع الرأي العام المحلي وتشويه صورة الأردن عربياً.
على الجهة الأخرى، فإنّ العجرفة الصهيونية لا تقيم وزناً لمعاهدات أو اتفاقيات، أو حتى علاقات سلمية مع الدول العربية. وهنالك مجازفة كبرى بعدم اتخاذ خطوات حاسمة وواضحة إزاء ذلك.
m.aburumman@alghad.jo
محمد أبورمان