في لعبة الشطرنج، التي يقال ان اصولها فارسية يتحرك الحصان بقفزات واسعة تنتهي كل منها بالاستدارة يمينا او يسارا قبل ان يتوقف ليشكل ما يشبه اللام الهجائية وليحمي او يسهم في الهجوم على الاهداف التي يرى اللاعب انها مكشوفة للخصم.
حركات الحصان الذي ارتبط بالعرب تختلف تماما عن حركات الجنود القصيرة والثابتة او القلاع الطويلة والمستقيمة ولا تشبه ابدا حركات الوزير او الفيل الذي يتحرك بخطوط قطرية ويأتي على كل ما يصادف من احجار في طريقه، ايا كانت المسافة الفاصلة شريطة، ان لا تكون هذه الحجارة طعما للقضاء عليه.
بعيدا عن الشطرنج الذي يحتاج الى الكثير من الصبر والتروي تشكل الازمة التي نشبت بين قطر وعدد من الدول العربية في الشهر الماضي تحديا كبيرا وأنموذجا جديدا لشكل وطبيعة الخلافات التي قد تنشأ بين الحلفاء والجيران في عالم ما بعد العولمة الامنية والاقتصادية التي اجتاحت العالم في العقدين الاخيرين.
في الوقت الذي تتبادل فيه الاطراف التهم حول تدخل البعض منها في شؤون الاخر والتلاوم حول علاقاتها مع المنظمات والجماعات التي صنفت ويجري تصنيفها ووصفها بالارهابية، ومحاولة الاطراف اقامة الدليل على اثبات او نفي الاتهامات، لا يملك المتابع لمسرح الظل العربي الا ان يتوقف لبعض الوقت والتساؤل عن معاني وجود وتحرك عدد من الشخصيات السياسية والامنية والدينية والفكرية على مسرح الاحداث في المنطقة، وعن اسرار حصولها على الاهتمام السياسي والاعلامي في عواصم الدول العربية المعنية بالازمة.
في قطر هناك ثلاث شخصيات من اصول غير قطرية تلعب ادوارا مهمة تتجاوز في اثرها الحدود الجغرافية والسياسية للدولة، ويثير وجودها الكثير من الاسئلة والتخمينات. كما إنها تثير جدلا واسعا باستمرار؛ رجل دين، ورجل سياسي، وأكاديمي وخبير في بنية الدولة الاسرائيلية وتركيبة المجتمع الاسرائيلي، وهم يحظون برعاية خاصة ومكانة استثنائية لدى القيادة القطرية.
على الواجهة الاخرى للخلاف، يثير الوجود لسياسي فلسطيني على ارض الامارات العربية المتحدة واستمرار تنقله بين القاهرة وابو ظبي وغزة الكثير من الاسئلة والتخمينات، خصوصا أنه كان وما يزال منافسا قويا على السلطة في بلده.
الشخصية الاخرى التي اصبحت ضيفا دائما على العديد من مراكز البحث ومحطات التلفزة العالمية هو جنرال سعودي متقاعد، والذي بدا مخولا بإطلاق التصريحات والتعبير عن المواقف وعقد اللقاءات مع الشخصيات السياسية والمراكز البحثية التي تعنى بالشرق الاوسط والقضية الفلسطينية، حيث تنسب له غالبية التصريحات والاتصالات التي تمس المبادرة العربية واحتمالات التغير المشروط في المواقف العربية حيال اسرائيل في حال قبولها بالمبادرة السعودية للسلام.
النشاط الذي تقوم به حماس بدعم قطري والتصريحات والفتاوى التي يصدرها بعض الشيوخ في قطر، والخطط والاستراتيجيات والبرامج والاستشارات التي يقدمها أكاديمي هناك، تثير الكثير من الشكوك والاسئلة، ليس لدى جيرانها فحسب، بل لدى كل المراقبين. فالبرامج الثلاثة متعارضة في طبيعتها ومحيرة في شخوصها. فحماس تنشط وتقوم بأدوارها ونشاطاتها الثورية وتدير برنامجها السياسي من على ارض دولة محافظة ترى نفسها الاقرب الى مذاهب الاصولية الدينية ومنهجها الاصلاحي، بالرغم من حركة النمو والتطور العلمي والعمراني والاقتصادي التي تشهدها. والفتاوى التي يقدمها الشيخ تطال كل شيء وتتغير حسبما تقتضي الظروف والاحوال بصورة تنسجم مع المواقف السياسية لقطر.
اما الامر الاكثر اثارة للاستغراب والدهشة فيتمثل في وجود الأكاديمي على الارض القطرية وتمتعه بدرجة عالية وغير مسبوقة من الدعم والنفوذ ليصبح مرجعية سياسية وفكرية واعلامية في مجتمع يفترض انه يختلف في طبيعته وبنائه واتجاهاته عن المجتمع والفكر والسياسة التي يؤمن بها الأكاديمي، الامر الذي يبعث على التساؤل والتشكيك بوجود اهداف وادوار وتوجهات غير تلك الاهداف والتوجهات التي يجري الحديث عنها.
ما تقوم به هذه الشخصيات على الساحة الخليجية لا يتوافق مع طبيعة المجتمع ولا مع ثقافته وتراثه، فهل كان وجود هذه الشخصيات وادوارها ونشاطها سببا من اسباب الازمة ام مظهرا من مظاهر وجودها؟
الغد