المجزرة الوحشية التي ارتكبها قادة اسرائيل في غزة اليوم ، اضافة الى كونها حلقة جديد من مسلسل الاجرام المتواصل ، فانها ايضا تلميع جديد لمرآة الوضع العربي ، لتعكس بوضوح مدى الانحدار ، الذي وصل اليه حال الامة العربية ، وهي تقف متفرجة على مصائبها في التمزق والضعف والهوان .
هذه المجزرة الاسرائيلية البشعة ، تذكرنا بمسلسل كل المجازر الصهيونية ، ضد ابناء فلسطين ، وضد المدنيين في الاقطار العربية المجاورة لفلسطين ، منذ ستين عاما وحتى اليوم ، من دير ياسين الى قبية ، الى بحر البقر وقانا وغيرها الكثير ، هذه المجازر ، التي نستعيد ذكرياتها مع كل مجزرة جديدة ، تجعلنا نعيش الشك كشعب عربي ، بجدوى السلام مع اسرائيل ، وبرغبة قادة اسرائيل في السلام ، وفي نوعية السلام الذي تريده ،ما دامت تتبنى منذ تأسيسها وحتى الآن ، سياسة الابادة والعربدة ضد الشعب الفلسطيني .
لكن مصيبتنا الكبرى ، هي بانفسنا قبل ان تكون مع اسرائيل ، مصيبة التفتت والتمزق ، الذي تعيشه الامة العربية ، والمصيبة الاكبر ، التمزق الفلسطيني بين سلطتين " ويا ليتهما دولتين " ، بين الثوار الذين بدأوا يعشقون الحكم ، والثوار الذين تحولوا الى تجار ، غير آبهين بما آل اليه الوضع الفلسطيني ، وخيبة الأمل التي يعيشها شعب فلسطين ، من جدوى النضال والتضحيات الكبيرة ، اضافة الى ظروف الحياة الصعبة ، في ظل الحصار والحرمان من ابسط مقومات الحياة ، بينما القادة ، الذين تهون كل التضحيات في سبيل كراسيهم ، يقول كل منهم انه الحق ، وهو المعبر عن طموحات الشعب الفلسطيني .
المصيبة ايضا ، هي في ردود الفعل الشعبية التي تعقب كل مجزرة ، تصريحات وتنديد واستنكار ، ومسيرات وهتافات لا تسمن ولا تغني من جوع ، وتصريحات انفعالية انتهت صلاحيتها ، من مثل تصريح مسؤول في احد الاحزاب الاردنية ، تعقيبا على المجزرة الصهيونية ، قال فيه " ان كل من يقيم اتصالات او علاقات مع اسرائيل فهو خائن " ، ليعود بنا الى المربع الاول ، مربع سنوات الخمسينات والستينات ، حيث انتعشت سوق تهم الخيانة والعمالة ، وكانت نتيجتها وبالا على الامة ، تمزقا وهزائما وانحدارا .
فلتتحرك الامة اولا ، للملمة الشمل الفلسطيني ، لتتوجه الجهود الرسمية والشعبية العربية لاعادة اللحمة لهذا الشعب ، ووقف نزف الدم الداخلي ، ليطلق كل طرف معتقلي الطرف الاخر ، حتى لا يقتل المعتقلون من هجمات اسرائيل داخل سجون اخوتهم ، ولتركز المسيرات على الوحدة الوطنية الفلسطينية ، اما الذين سيهتفون لالغاء اتفاقية وادي عربة ، وطرد السفير الاسرائيلي من عمان ، وقطع العلاقات مع اسرائيل ، فاننا نتمنى عليهم ان تكون مطالبهم قومية لا قطرية ، وان تشمل هذه المطالب كل الدول العربية ، التي وقعت مثل هذه الاتفاقية ، واقامت مثل هذه العلاقات ، والى كل من يقيم علاقات غير مباشرة مع اسرائيل .
لقد كان السلام خيارا عربيا ، وبمساندة ودعم دوليين ، وهو ما زال الخيار الانسب عربيا ، وللاسرائيليين ايضا مصلحة كبرى في هذا السلام، وما علينا الا الاستمرار في تبني هذا الخيار ، في ظل غياب اي خيار اخر فعال ، وفي ظل غياب اي جدوى ، سواء من الهدنة او انهاء الهدنة ، او اي مسميات اخرى ، وما علينا الا الاستمرار بالعمل الدبلوماسي الفعال ، الذي يجبر اسرائيل على اعادة حساباتها، مع تعزيز خط الدفاع الثاني ، خط المقاومة الشعبية لتكون البديل لفشل الحل السلمي نهائيا ، ولن يتأتى ذلك الا بالوحدة الوطنية ، والكف عن تمزيق الشعب الفلسطيني ، وليتنازل عن الكراسي من يحب شعبه .
m_nasrawin@yahoo.com