الجندي العائد من الحرب وجد النياشين على صدور السياسيين .الجندي العائد بقدم واحدة وجد وطنه كسيحاً بلا قدمين.
الجندي الذي لم يعد من الحرب مات سعيداً.ظن ان وطنه تحرر من العدو، مات قبل ان يرى وطنه اشلاء فيما العدو اعداء.
اولئك الذين بقوا في الوطن لم يعودوا يتذوقوا من الوطن الا مرارة الحرمان من الماء والكهرباء والخبز ومن..الحنان.كانوا يركبون الباص من حي الى حي، ينزلون في المحطة الاخيرة محملين بسلال التين والعنب وباقات الياسمين.صار الحي، بقدرة متآمر، ساحة معركة والعدو شقيقا وابن عم وجارا .جار الزمن على من سبقوا ذات تاريخ الزمن.
كان البلد كله محطة في طريق الحرير بين الشرق والغرب، من الصين الى وسط اوروبا .صار مكباً مليئا بالدم الازرق والاصفر والاحمر البارد.جاؤوه غزاة مقنعين، هذا قيصر وذاك رامبو، وكلهم عبيد للحاخام الاكبر القابع في كهف التاريخ.
من جنيف الى الاستانة ومن الاستانة الى جنيف للمرة السابعة يجرجرون سوريا من شعرها وجغرافيتها وتاريخها ووحدتها.سوريا التي كانت نفسها يوما جزءا من بلاد الشام .يمزقونها اشلاء، يختلفون ويتفقون ثم يعودون يختلفون والقرار دوما بيد الروس والاميركان.
للروس مصالحهم وللاميركان مصالحهم ومصلحة اسرائيل في بؤبؤ عيون موسكو وواشنطن !
لقد جاء اختيار الروس للأستانة كمستضيف لأطراف الحرب السورية حاملا الكثير من الدلائل والأهداف؛ فالأستانة عاصمة لجمهورية كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي، وهي دولة تربطها علاقات قوية بالاتحاد الروسي، وعلاقات ضعيفة بالاتحاد الأوروبي، والرئيس الكازاخستاني تربطه علاقة متينة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وهي بصورة أو بأخرى منطقة نفوذ لروسيا.
هذه ليست كل أهداف الروس لاختيار الأستانة كمنطلق للمحادثات الدولية بشأن الأزمة السورية، إنما الأهداف تكمن في أن الرئيس بوتين أراد أن يؤكد أن أي حل سياسي للازمة السورية لن يكون إلا على التراب السوفييتي، مذكرا الغرب بالدولة العظمى منذ الحرب الكونية الثانية حتى الانهيار المريع العام 1991، فاختار الأستانة لذلك؛ ليس هذا فحسب بل أراد الرئيس بوتين أن يبرهن للإدارة الأمريكية أنه المنتصر في تلك الحرب، وهو من سيقرر نتائجها وكيفية نهايتها، فاختار الأستانة كمنطلق للمحادثات.وجاء اختيار ايران وتركيا كضامنين لمناطق خفض التوتر نظرا لوكلاء الدولتين على الارض السورية.
أراد بوتين أن يؤكد للغرب، بأن روسيا حاضرة بقوة على الساحة الدولية، ويذكر بأمجاد السوفييت وقوتهم. يبرهن الروس لنظرائهم الأمريكين أنهم الأكثر تأثيرا على جميع أطراف الحرب السورية والقادرين على جمعهم على طاولة الحوار، والتوصل معهم لحل سياسي يرضي المعارضة ويحفظ لروسيا مصالحها، فاختار الأستانة برئيسها نور سلطان نزار، الذي تربطه علاقة قوية بأردوغان وبوتين وهما راعيا المفاوضات، وهو ما يؤكد عزم الروس على نجاح تلك المحادثات. بوتين يجيد السير في المناطق الجبلية المتعرجة، وهل السياسة غير طرق التفافية متعرجة من يجيد تسلقها يصل الى الهدف؟
لقد زل لسان بوتين فقال انه يخشى ان تقسم سوريا .ولم يقل من الذي يريد او يطالب بتقسيمها .
لكن من مطبخ الازمة السورية تنبعث رائحة طبخة كريهة . وها هو المبعوث الاممي دي ميستورا يحذر من جنيف بان مناطق خفض التوتر لا تعني تقسيم سوريا .
فهل نصدق دي ميستورا ام نصدق انوفنا التي تشتم رائحة شبيهة برائحة سايكس بيكو ؟!