الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك عبدالله ابن الحسين حملت عنوان "سيادة القانون أساس الدولة المدنية"، وتضمنت تلك الورقة مفردات مهمة تؤسس لقيام دولة مدنية يسود فيها القانون على كل شيء، كما تضمنت محاور اساسية يمكن من خلالها بناء الدولة المدنية الحديثة؛ ابرزها تعزيز مبدأ سيادة القانون في كل امور حياتنا اليومية، وتعزيز مبدأ الشفافية والمساءلة والمكاشفة وخلافه من مبادئ يمكن من خلالها وعبرها الذهاب لبناء دولتنا المدنية التي نريد.
أعرف ويعرف الكثيرون غيري ان فكرة الدولة المدنية تواجه بالكثير من العقبات، بعضها عقبات تأصلت عبر سنين ماضية ساهمت في تأصيلها ممارسات الدولة حينا والسكوت عن شيوع فكر الواسطة والمحسوبية حينا آخر، الامر الذي انتج مجتمعا يبحث عن الواسطة لو اراد الذهاب لانجاز معاملة في مركز امني او محكمة او اي دائرة حكومية، وساهم في تعزيز تلك الصورة تقبل اطراف حكومية كثيرة لفكر الواسطة والتعامل معه باعتباره جزءا من حياتنا اليومية.
قد يقول قائل ان التعامل مع الواسطة لتسهيل معاملة او تسريعها لا يؤثر في بناء الدولة المدنية، ولا يمكن ان يقال ان ذاك الامر سبب في عدم بناء دولتنا المدنية، بيد ان اشاعة فكر الواسطة والمحسوبية سيساعد في تباطؤ الذهاب الى الدولة الحديثة، ويطلق العنان لما سيلحقهما من أمور اخرى كالرشوة والفساد وخلافه.
صحيح أن الواسطة والمحسوبية لا يمكن تحميلهما وحدهما مسؤولية بقائنا ندور حول ذات الهدف منذ عشرات السنين دون ان نحقق اي تطور يمكن البناء عليه للوصول للدولة المدنية، وانما هناك أسباب اخرى اعمق واشد ومنها وجود قوى شد عكسي ترفض فكر الدولة المدنية، بعضها من منظور ديني وبعضها من منظور قبلي وهذا يتجلى في غياب العدالة وغياب سيادة القانون، وهو الامر الذي اشار اليه جلالة الملك في ورقته السادسة.
يقول الملك في تلك الورقة وهو كلام مهم يتوجب على كل المسؤولين ان يتعاملوا به ومعه من منطلق الايمان به وتنفيذه "إن مبدأ سيادة القانون جاء ليحقق العدالة والمساواة والشفافية والمساءلة على جميع مؤسسات الدولة وأفرادها دون استثناء وخاصة ممن هم في مواقع المسؤولية، من خلال ممارسات حقيقية على أرض الواقع، ولا يمكن لأي إدارة أن تتابع مسيرتها الإصلاحية وترفع من مستوى أدائها وكفاءتها دون تبني سيادة القانون كنهج ثابت وركن أساسي للإدارة. إن التطبيق الدقيق لمواد القانون يعد من المتطلبات الضرورية لأي عملية تحول ديمقراطي ناجحة، كما أن سيادة القانون تضمن ممارسة أجهزة الدولة لسلطاتها وفق الدستور والقانون، فلا يمكن لدولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان أن تعمل خارج هذا الإطار، لذا، تشترك الحكومة وأجهزة الدولة كافة في حمل مسؤولية ما تتخذه من قرارات وسياسات وإجراءات".
المناسبة التي دعت لكل هذا الحديث، ما نراه من جاهات برعاية رسمية. الاعتراض ليس على قيم التسامح والطيبة بين الاردنيين ولا على قيم الصفح والعفو، ولكن كان مؤلما ان تكون الوزارات، وهي مؤسسة حكومية يفترض ان تكون اساس المدنية وعنوانها، مكانا لتحييد القانون جانبا والذهاب باتجاه حلول بأشكال اخرى.
بطبيعة الحال فان ذاك ليس دعوة لتمرد الناس على قيم العشيرة واخلاقها، ولكنه تذكير بان قيم العشيرة هي التي وضعت المدماك الاول للدولة وان بناء الدولة والذهاب باتجاه التطور الطبيعي للعشائرية والقبلية وخلافه من مفردات بات لزاما ان تتنحى لمنح القانون الحق في ان يسود.
إن التواني في تطبيق القانون بعدالة وشفافية وكفاءة يؤدي إلى ضياع الحقوق ويضعف الثقة بأجهزة الدولة ومؤسساتها. كما أن تساهل بعض المسؤولين في تطبيق القانون بدقة ونزاهة وشفافية وعدالة ومساواة يشجع البعض على الاستمرار بانتهاك القانون ويترك مجالا للتساهل الذي قد يقود لفساد أكبر، بل إلى إضعاف أهم ركائز الدولة، ألا وهي قيم المواطنة.
الغد