الأردنيون يستحقون أكثر من ذلك
عمر عليمات
10-07-2017 12:15 PM
هل الغضب سمة أم نتيجة، وهل الأردني غاضب بطبعه، أم أن الأجواء التي يعيشها جعلت منه شخصاً متوتراً مترصداً لأي حدث مهما صغر لينفس عن غضبه المكبوت؟؟.
المنطق يقول إن تحييد الظروف المحيطة هو أفضل السبل لمعرفة طبيعة البشر وسماتهم الحقيقية، ولأن التجربة خير برهان، فقد أثبتت التجارب أن الأردنيين العاملين في الخارج من أكثر الشعوب تحضراً وأدباً وإخلاصاً في العمل، وقلما تسمع حكماً سلبياً يتعلق بالجاليات الأردنية في بلاد الاغتراب، إلا ما يكون من حالات فردية.
الأردنيون في العديد من الدول أسسوا لثقافة التميز والجودة ورضا العملاء فاستحقوا الثناء والتقدير، وباتوا من الخبرات دائمة الحضور في المؤسسات التي تسعى لتحقيق رضا جمهورها ولتصبح نموذجاً يحتذى به.
إذاً أين الخلل، ولماذا يغضب الأردني في بلاده ويبدع خارجها، لماذا يثور لأتفه الأسباب؟، وقد يرتكب جريمة تدمر مستقبله ومستقبل أبنائه، لماذا تعتبر الجاليات الأردنية في المغترب من أكثر الجاليات احتراماً للقوانين والأنظمة، وتنتهكها في الوطن؟، قائمة التساؤلات طويلة ولا تنتهي.
ولاشك أن الأردني بطبعه إنسان متحضر يحترم ويُحترم، إلا أن المؤثرات التي تحيط به هنا تخرجه عن طوره وطبيعته السمحة المتعاطفة والرحيمة.
الأردني يدخل صباحاً إلى إحدى الدوائر الحكومية فيجد موظفاً قرر أن الدوام الحكومي يبدأ الساعة الثامنة والنصف وليس الثامنة، ويرد عليه بعنجهية غير مبررة.
موظف يضع سيجارته في فمه وينفخ في وجه المراجع بعصبية، وكأن المراجع من كوكب آخر.
دائرة يقرر مديرها أن يضع آلة الأرقام الخاصة بالعملاء داخل المكتب، وعلى المراجعين التكوم فوق بعضهم بعضاً ثم يقوم أحد الموظفين بتوزيع الأرقام مرة واحدة، وكأنه يعشق الطابور الصباحي، فبدلاً من وضع الآلة في مدخل الدائرة ليأخذ كل مراجع رقمه بالتسلسل ويجلس بانتظار دوره، فإن المراجعين يضطرون إلى الاصطفاف وانتظار صافرة الموظف للهجوم بغية الفوز برقم متقدم!.
يبحث المراجع عن مقعد يجلس عليه بانتظار معاملته، فلا يجد سوى عدة مقاعد أكل الدهر عليها وشرب، قد تكون سبباً رئيسياً لأمراض الدسك.
الأردني يقود سيارته وسط ألغام بشرية، لا يعرف متى يصطدم بأحدها فتنقلب حياته رأساً على عقب، فالمشاة استوطنوا الشوارع، و"بسطات" الخضراوات احتلت الأرصفة.
المريض يدخل إلى غرفة الطوارئ في أحد المستشفيات الحكومية فيُطلب منه انتظار دوره، من دون التعامل مع حالته بشكل يخفف من توتره وقلقه على أساس أنه مريض، بل على العكس، يتم التعامل معه وكأنه مراجع اعتيادي لإنهاء معاملة روتينية.
عمّان عاصمتنا الحبيبة ودرّة مملكتنا وهي فخرنا وعزنا، ولكن الأردن أكبر وأغلى، الاْردن ليس عمان فقط، الأردن هو كل شبر باتت عين تحرسه، وجندي يفتدي حدوده، الأردنيون ليسوا طبقات فكلهم أمام القانون سواء، لذا على المسؤولين الخروج إلى المحافظات والمدن ليعرفوا أن دوائرنا وشوارعنا ومستشفياتنا باتت عوامل توتر وغضب، على المسؤول أن يزور كافة مدن المملكة بلا مواعيد مسبقة وسجاد أحمر ومناسف وولائم مرتب لها قبل أسبوع من الزيارة.
لا نتحدث هنا عن وضع اقتصادي، وإمكانات الموازنة المتواضعة، بل نتحدث عن خدمة جمهور بشكل يحترم إنسانية الأردني، لا نريد مؤسسات خمس نجوم، بل خدمة متميزة، فما العائق الذي يمنع ترسيخ وتعزيز ثقافة الجودة في تقديم الخدمة، ما دام أبناؤنا هم من يديرون العديد من مؤسسات التميز والجودة خارج الوطن؟.
ما المشكلة إذا فعّلنا القوانين والأنظمة وجعلنا الشارع للسيارات والرصيف للمشاة، ليقود الأردني سيارته بأريحية بلا توتر أو قلق أو تفكير طويل في كيفية المرور بأحد الشوارع التي تملؤها صناديق الخضراوات والفواكه، ومن دون خوف من قانون أو نظام؟.
على الوزير والمدير أن يجربا الجلوس على أحد المقاعد المتناثرة في الدوائر الحكومية، ليعرفا أنها غير صالحة للجلوس، فضلاً عن الانتظار عليها لساعة أو ساعتين، على المسؤول أن يجرب نفث الدخان في وجهه وهو يتكلم مع موظف عمومي، ليعرف لماذا يغضب وينفجر الأردني.
على كل مسؤول أن يفعّل أدوات الرقابة على الدوائر التي تتبع له، وأن يفعّل "المراجع السري" ليقيّم خدمات وزارته أو مؤسسته على أرض الواقع، لا على الورق وتنظير المديرين وكلامهم المعسول.
على المسؤول أن يدرك أن الأردن أكبر من عاصمة، وأن الأردنيين الذين صبروا على نوائب الدهر فداء للأردن هم أبناء الاْردن كله وليسوا فقط أبناء منطقة واحدة.
وبعد، هل الأردني غاضب بطبعه، أم أنه دُفع غصباً عنه ليغضب؟.
الأردنيون يستحقون الأفضل، فهم القابضون على جمر الوطن ومحبته، فلم يرتهنوا لأجندة خارجية، ولَم يبيعوا الانتماء للوطن في سوق الدولار، ولم يهنوا ولم يضعفوا أمام الأزمات، بل كسروا ظهورهم ليبقى الوطن شامخاً، الأردنيون صبروا لأجل الأرض التي وضعوها في كفة العِرض والشرف الذي لا يباع ولا يساوم عليه.