لا شك بأن موضوع اللامركزية يحظى بالأولوية على الاجندات الملكية والوطنية، وذلك في إطار مشروع الإصلاح الأردني الشامل الذي يهدف الى تفعيل المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار وإدارة الشأن العام تعزيزا للثقافة الديمقراطية وترسيخها في المشهد الوطني بعد ان أدرج ضمن منظومة التشريعات والقوانين الإصلاحية (الانتخاب، الأحزاب، البلديات، واللامركزية).
في إشارة الى الأهمية التي يوليها صانع القرار لهذه المنظومة التي يعول عليها كثيرا في تجويد الأداء السياسي والنيابي والحزبي والتنموي والخدمي وتفعيله . فاللامركزية بما تمثله او تعنيه من تفويض لصلاحيات الإدارة المركزية الى الإدارات المحلية ، انما تهدف الى تحقيق التنمية المحلية الشاملة ، واشراك المواطن في القرار التنموي والخدمي والاستثماري والإسراع في إقرار المشاريع والخطط اللازمة ، وفقا للأولويات التي يحددها هذا المواطن .
في تأكيد على أهمية دوره في وضع هذه الأولويات والاحتياجات والمشاريع التي تحتاجها المنطقة التي يقطنها ، وبما يعزز من دور مجالس المحافظات في إعادة توزيع مكتسبات التنمية على المجتمعات المحلية بعدالة ومساواة ، والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة فيها ، وبالتالي الحد من الفروقات التنموية والخدمية والاستثمارية بينها .
إضافة الى أهمية هذه المجالس ودورها في تخفيف الضغط عن الحكومة ( المركز ) ، وعن البرلمان ليتفرغ لأداء دوره التشريعي والرقابي من خلال الفصل ما بين الخدمي ( اللامركزية ) والسياسي ( البرلمان) وكذلك تخفيف الأعباء والاكلاف المادية التي يتكبدها المواطن بسبب البيروقراطية والإجراءات الروتينية التي تتطلب منه مراجعة المركز لإتمام معاملته بغض النظر عن مكان سكنه .
واذا ما توقفنا عند الجهود الرسمية في تسويق فكرة اللامركزية وترويجها ، كأداة تعنى بتحقيق التنمية الشاملة ، فإنها لم ترتقي الى مستوى التطلعات والمتطلبات الوطنية كما عكستها التوجيهات الملكية مع كل أسف .
إذ لم يرافق مرحلة إقرار قانون اللامركزية حملات توعوية وتثقيفية من قبل الجهات الحكومية المعنية بأهمية هذا التوجه ودوره في اثراء مسيرة التنمية المستدامة بالأفكار والمشاريع الكفيلة بالانتقال بالمجتمع المحلي الى مراحل متقدمة ، تنمويا واقتصاديا واستثماريا واجتماعيا وخدميا .
حيث تسود حالة من الغموض والضبابية وعدم المعرفة لدى شريحة واسعة في الشارع الأردني ، وحتى بين معظم المرشحين لخوض انتخابات اللامركزية ( مجالس المحافظات ) ، وهو ما لمسناه خلال الاحاديث والنقاشات التي كانت تدور حول هذا الموضوع في المناسبات والجلسات المختلفة .
حتى ان هناك الكثير من المواطنين الذين لا يعرفون بان نظام الدوائر الانتخابية لمجالس المحافظات قد تم تعديله لمواءمة التقسيمات في الدوائر الانتخابية مع تقسيمات المجالس المحلية ، وإعادة توزيع مناطق انتخابية وفق الكثافة السكانية لتحقيق العدالة التمثيلية في المحافظات ، حيث تم زيادة عدد الدوائر الانتخابية وفق النظام المعدل من 145 دائرة الى 158 دائرة ، وزيادة عدد أعضاء مجالس المحافظات من 270 عضوا الى 303 أعضاء .
ما يتطلب استغلال المدة المتبقية لإجراء هذه الانتخابات ، واحسبها مدة كافية لتنظيم حملات توعوية وتثقيفية لتعريف المواطنين بهذه الخطوة الوطنية التنموية الإصلاحية وتوضيحها لضمان مشاركة شعبية اكبر واوسع في العرس الديمقراطي الذي سيشهده الأردن منتصف الشهر القادم .
وان كنا نقر في المحصلة ان الترويج لهذه الفكرة وانجاحها هي مسؤولية مجتمعية مشتركة لا تقتصر على الحكومة وحدها ، إذ لا بد وان تقوم جهات أخرى في الدولة بهذا الدور ، كوسائل الاعلام والأحزاب والجمعيات والمنتديات ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية كالمدارس والجامعات والأندية الرياضية والثقافية والاجتماعية وغيرها لتوضيح الفكرة وشرحها وإزالة اللبس الذي يكتنف الكثيرين حيال المهام والصلاحيات والاهداف المرجوة من مجالس المحافظات وعلاقتها بالمجالس التنفيذية والبلدية والمحلية ، وتقسيم الدوائر الانتخابية وعدد أعضاء هذه المجالس واليات تشكيلها . فالمسألة ليست محصورة بشرح كيفية الاقتراع فقط، وانما يجب ان تكون الجهود منصبة على الطريق المؤدي للاقتراع وجذب الناس واقناعهم بضرورة التوجه الى الصناديق في ظل حالة اللامبالاة وعدم الاكتراث السائدة، كما تعكسها التغطيات الإعلامية المتواضعة عند استطلاع اراء الناس حول هذا الموضوع الهام، حيث تجد ان أكثر من 70% ان لم يكن 80% من الأشخاص المستطلعة آراؤهم، لا يعرفون عن مجالس الانتخابات، ولا يستطيعون التمييز بينها وبين المجالس الأخرى. وقد تكون هذه السلبية من بين الأسباب التي أدت الى تدني نسبة ترشح المرأة لخوض هذه الانتخابات، رغم حرص المشرع الأردني على تفعيل هذه المشاركة من خلال الفرص العديدة التي وفرها لها لتعزيز حضورها في إدارة الشأن العام تنمويا وخدميا عبر تخصيص نسبة 10% من عدد المقاعد المخصصة لأعضاء مجالس المحافظات، و5% من نسبة ال 15% المخصصة للتعيين في هذه المجالس من غير الفائزات عن طريق التنافس، لتمكينها ورفع مستوى مشاركتها فيها. كذلك يصبح من المطلوب بعد اجراء الانتخابات وفرز النتائج وتشكيل مجالس المحافظات ضرورة إقامة ورش ودورات تدريبية وتأهيلية للأعضاء الذين يدخلون هذا المجال لأول مرة عن طبيعة المهام والصلاحيات المناطة بهم، لتعزيز دورهم في التنمية المحلية الشاملة.