الملك عبد الله أول زعيم عربي يقابل أوباما بعد تنصيبه
رنا الصباغ
25-12-2008 05:02 PM
* رنا الصباغ - ينوي الملك عبدالله الثاني زيارة واشنطن في شباط (فبراير) 2009 ليكون أول زعيم عربي يقابل الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما بعد حفل تنصيبه ودخوله البيت الأبيض وبدء تنفيذ وعوده بالتغيير.
يراهن الملك (46 سنة)، على تفاعل ايجابي شخصي مع أوباما. فالزعيمان يتحدثان لغة واحدة، وينتميان الى الفئة العمرية نفسها، ويعولان على رؤاهما القائمة على التحديث. وهناك أيضاً بحسب مقربين منهما، «كيمياء مشتركة تجلت في اعجاب الرجلين بما يمثلانه من طموح للتغيير»، إذ قال المرشح الرئاسي قبل فوزه للملك بعد لقائهما الاول في عمان هذا الصيف: «اتمنى لو استطعنا نقل تجربتك لأن العالم بحاجة لقيادات واعدة» بينما لم يخف العاهل الأردني في أحاديثه الخاصة رغبته بفوز اوباما على منافسه الجمهوري الذي كان نجاحه سيعني استمراراً للتوتر في أنحاء مختلفة من العالم.
وسيحمل الملك عبدالله مطلبين أردنيين رئيسيين للساكن الجديد في البيت الأبيض، الذي يطالب بتعاون دولي للخروج من حربين في افغانستان والعراق وتسوية الملف النووي الايراني بأقل ضرر، وحل نزاعات قديمة معلقة كالقضية الفلسطينية، والتعامل مع قوى جديدة تضع قيوداً على النظام العالمي الجديد.
وسيطلب الملك من أوباما استمرار تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية لمملكته، والتي زادت بوتيرة متناغمة مع تنامي عمق التحالف الاستراتيجي بين واشنطن وعمان منذ تولي الملك الحكم قبل عشر سنوات، بحسب مسؤولين وديبلوماسيين. إذ تخشى عمان من أضطرار الكونغرس الى اقتطاع بنود في برنامج المساعدات الخارجية لتوفير أموال اضافية تعين أوباما على معالجة تداعيات الأزمة المالية العالمية على اقتصاد بلاده ما سيضر ببرامح التحديث الشامل في الأردن.
كما سيطالب الملك بدور «أميركي فاعل» يساعد على قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة والنمو تعيش بجوار اسرائيل لضمان أمن المملكة واستقرارها بعد فشل محادثات السلام التي تقودها أميركا بين اسرائيل والفلسطينيين منذ انطلاقة مؤتمر أنابوليس للسلام قبل 13 شهراً.
فوصفة أنابوليس غير واضحة المعالم وهندست لشراء الوقت وساعدت اسرائيل على فرض مزيد من الوقائع على الاراضي المحتلة من خلال «تسمين» المستعمرات واستمرار بناء جدار الفصل ما يعيق فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي مطلق الاحوال لن تفضي هذه الوصفة الى قيام دولة فلسطينية مستقلة ومترابطة جغرافيا على أساس حدود 1967 كما ستحرم الفلسطينيين من حق العودة تماشياً مع قرارات الشرعية الدولية لعقود.
وقال مسؤول أردني رفيع لـ «الحياة» ان الاردن هذه الأيام «بات يخشى من تنامي الحديث في أوساط اسرائيلية وأميركية نافذة عن طروحات جديدة لانقاذ الأفق السياسي المسدود بفعل الانقسام الفلسطيني وسياسات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تتمثل في قيام روابط سياسية بين الأردن والدولة الفلسطينية المستقبلية المقطعة الأوصال كحل وسط للطرفين».
لكن أي حل كهذا سيمس الهوية السياسية للأردن حيث نصف السكان من أصول فلسطينية وغالبيتهم يحملون جوازات سفر أردنية ويشكون أصلاً من تدني تمثيلهم في الحكومة والبرلمان والجيش والأجهزة الأمنية الاخرى.
وتابع: «سنستمر في الدفع صوب حل على اساس الدولتين، من دون الخوض في أطروحات مثل الكونفيديرالية او الفيديرالية بين الاردن والفلسطينيين الآن أو مستقبلاً، لأن الاردن لا يرغب في حلول كهذه لأنها تنطوي على بداية نهاية النظام السياسي لكونها ستكون لمصلحة المكون الفلسطيني على حساب المكون الشرق أردني».
وقال: «الاردن معني بحل الدولتين وبقيام دولة فلسطينية مستقلة قادرة على الحياة لوحدها، تتمتع بعلاقات اقتصادية وسياسية قوية مع الاردن شأن علاقات المملكة بدول الجوار كافة».
وقال مسؤول آخر فضل عدم الكشف عن اسمه: «بصريح العبارة نحن مع حل الدولتين... لسنا مع أي حلول أخرى مثل حل الدولة الواحدة «ثنائية القومية» أو حل الدول الثلاث: اسرائيل، دولة فلسطينية علمانية في الضفة الغربية ودولة اسلامية في قطاع غزة».
يفاقم سوداوية المشهد السياسي الاقليمي تأجيل أي جهد أميركي جديد لحين تشكيل حكومة ائتلافية في إسرائيل بعد الانتخابات التشريعية المبكرة في 10 شباط ستضع العرب أمام شرّين: اما الليكودي اليميني بنيامين نتنياهو أو تسيبي ليفني زعيمة حزب كاديما (يمين وسط).
ففي حال شكّل نتنياهو ائتلافاً حكومياً وهو ما ترجحه غالبية استطلاعات الرأي، سيعني ذلك استمرار إسرائيل في خلق وقائع جديدة على الأرض ضمن سياسة الأمر الواقع ومواصلة الاستيطان ومصادرة الأراضي وتهويد القدس وعلى الأرجح تصعيد عسكري في غزة مع طرح خطوات أو مبادرات تجميليه تحت مسمّى تحسين الأحوال المعيشية والاقتصادية للفلسطينيين.
وإذا شكّلت زعيمة ليفني ائتلاف « يمين وسط « فإن بنظرها سيكون مركزاً على إسرائيل وأمنها ما بعد عام2020. فهي تريد التعامل مع خطر «القنبلة الديموغرافية» التي يشكّلها عرب الـ 1948 في الدولة العبرية. لذا روّجت قبل أيام لحل مشكلة «عرب الـ 1948» عبر ممارسة طموحاتهم السياسية وأحلامهم الوطنية في مكان آخر اسمه دولة فلسطينية ستقام على ما تبقى من أراضي الضفة الغربية. وستطرح ليفني على الأرجح أفكاراً تتصل باستبدال الاراضي والسكان, واعطاء ما يعرف بـ «منطقة المثلث» إلى الدولة الفلسطينية المقترحة مقابل ضم إسرائيل مساحات واسعة بما فيها المستوطنات والأراضي على امتداد جدار الفصل. هذا الترتيب لن يعطي الدولة الفلسطينية المقترحة قابلية للحياة.
هذه الصورة المقلقة تضع مطبخ القرار الأردني أمام تحدي الإجابة عن أسئلة إستراتيجية، بحسب ساسة وحزبيين وحتى مسؤولين. من هذه الاسئلة: هل من مصلحة الأردن الوطنية أن تتعاطى الدولة وتدعم جهود التوصل إلى اتفاق سلام على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي لقيام دولة فلسطينية مشتتة الأوصال بحسب وصفة أنابوليس الثنائية، وهو على الأرجح ما سيفرض ضغوطاً سياسية واقتصادية هائلة على الأردن للدخول في «كونفيديرالية أو فيديرالية» مع دولة كهذه، الأمر الذي من شأنه تهديد بنية الكيان الأردني وربما يقوض عقده الاجتماعي وهويته السياسية? السؤال الآخر المطروح: هل سيستطيع الأردن التعبير عن رفضه طروحات كهذه من دون دفع ثمن سياسي واقتصادي باهظ? أو على الأقل, هل سيكون بالإمكان الوصول إلى «صيغ خلاّقة لدرجة كبيرة» تسمح للمملكة بالتعامل مع تداعيات مثل هذا السيناريو في شكل يمكنها من الاستجابة لحدة الضغوط المحتملة من جهة وإقرار صيغ مبتكرة من شأنها أن لا تهدد أو تضعف العمود الفقري السياسي للدولة, وذلك عبر علاقات دستورية «فضفاضة» توفر الحياة للدولة الفلسطينية?
التيار الاشد تشاؤماً داخل النخب السياسية يرى أن الأردن دخل مرحلة القدر المحتوم إزاء الهوامش المتاحة أمامه في التعامل مع النتائج المؤذيه لمسار انابوليس, وأن أفضل السيناريوات المتاحة تكمن في جمود طويل الأمد على مسار محاولات صنع السلام تتيح لصانع القرار تحصين الجبهة الداخلية وتوعيتها لهذه المخاطر, والعمل على تحقيق دولة القانون والمواطنة والمساواة في الحقوق المدنية اضافة الى خلق اجماع وطني على أساس عقد اجتماعي جديد بين الحاكم والمحكوم والاتفاق على ثوابت وأساسيات إستراتيجية في حياة الدولة الأردنية غير قابلة للعبث أو التغيير مهما كانت هوية من يجلس على مقاعد الحكومة الآن أو مستقبلاً.
فأوباما أعلن انطلاقة جديدة للسياسة الأميركية تجمع الديبلوماسية والقوة لمواجهة التحديات الداخليه والخارجية الأصعب للولايات المتحدة في تاريخها الحديث عبر تعزيز التعاون الدولي المفقود، والانسحاب من العراق واحياء عملية السلام والتركيز على افغانستان ومقاومة خطر الإرهاب.
خلال الأشهر الماضية، بذل الأردن قصارى جهده مع ادارة الرئيس جوررج بوش ومع المجتمع الدولي والعالم العربي المقسوم على نفسه وبين ايران وأميركا لإبقاء ملف السلام مطروحاً على الاجندة الدولية على رغم الاعتراف الضمني بفشله في أوساط صانعي القرار.
عمل الأردن وغيره من دول الاعتدال العربي من وراء الكواليس لحض الادارة المقبلة للتعامل الفوري والجاد مع عملية السلام للوصول الى حل الدولتين كما وعد الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش، لكن على اساس المرجعيات الدولية ومبادرة السلام العربية التي اطلقتها المملكة العربية السعودية لإنهاء الصراع الجماعي مع الدولة العبرية في مقابل توفير الأمن والاعتراف والعلاقات الطبيعية لجميع دول المنطقة. وطلب مجلس وزراء الخارجية العرب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس الاستمرار في منصبه بعد انتهاء مدته الدستورية يوم 9/1/2009 وأثنى على دعوته لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية – على رغم مخالفة ذلك للدستور. كما حشدت الدول الأوروبية للإبقاء على شرعيته.
سيحتاج الاردن الرسمي خلال الأشهر المقبلة الى استنفاذ كل االوسائل الممكنة لمقاومة ضغوط اقتصادية وسياسية متنامية للقبول بأطروحات مثل الاعلان عن فيديرالية أو كونفيديرالية مع دولة فلسطينية مقترحة مقطعة الأوصال لا تعطي للدولة العتيدة قابلية الحياة والنمو بحسب معايير مؤتمر أنابوليس الذي بدأته الادارة الاميركية في آخر سنة لها في الحكم.
ويقول مسؤولون إن عمان التقطت «النافذة الديبلوماسية» التي يرغب أوباما بالولوج منها للتعامل مع دول وقوى في منطقة الشرق الاوسط كانت ادارة سلفه مصرة على رفض التعامل معها في أي شكل ديبلوماسي مثل ايران و «حماس» وسورية. وينظر الأردن الى ذلك باعتباره فرصة لتنويع خياراته والتواصل الآمن مع هذه الاطراف من دون كلفة سياسية قد تترتب على ذلك، الأمر الذي قد يؤهل الاردن للعب دور في الاسهام في صوغ التواصل الديبلوماسي وقد يمنحه بعض السيطرة على أوراق اللعب واطلالة أوسع على تفكير وتكتيكات هذه الأطراف مع التركيز على الاستمرار في الالتزام الاستراتيجي بعلاقة مميزة وخاصة مع واشنطن ودول الاعتدال العربي, ومتكئاً على معاهدة سلام مع اسرائيل وعلى علاقات أكثر توازناً مع قطر، سورية، ايران و «حماس».
عن الحياة.