يحظى الأيتام الفقراء، أكثر من غيرهم، بالمساعدة، والذي يتتبع قصص العمل الإنساني، يكتشف ببساطة أن اليتيم الفقير يحظى بحصة كبيرة، من المساعدة المالية، مقارنة بالفقير، أو غيره من حالات ، او عائلات، والسبب في ذلك ديني واجتماعي، خصوصا، ان الحض على عدم قهر اليتيم، وارد في القرآن، مثلما يعد النبي صلى الله عليه وسلم، كافل اليتيم بالجنة، وبرفقته وفقا لنص الحديث النبوي.
لكننا امام وضع، له ظلال اخرى، فهذا المال الذي يتدفق من المتبرعين للايتام، بشكل غير منظم، لا يستفيد منه الايتام كثيرا، خصوصا، حين تنزع عائلات الايتام في حالات كثيرة، الى اخذ المال، وتسخيره، في قضايا لا يستفيد منها اليتيم مباشرة، ولدينا ادلة كثيرة على ذلك، كما ان استمرار التبرع الفردي، من جانب الافراد، دون تنسيق بينهم، او معرفتهم بحجم الدخل الذي قد يدخل على اليتيم في حالات كثيرة، يجعل هناك اختلالا مذهلا، بين يتيم فقير وآخر، او بين يتيم فقير، وآخر فقير وحسب.
الايتام، يواجهون تعقيدات اكبر واهم، لابد ان نقف عندها، خصوصا، ملف التعليم، واغلب الايتام الفقراء لا يجدون مالا لاكمال تعليمهم، ولاننا كعرب، مازلنا لا نؤمن بالعمل الجماعي، ونؤمن فقط، بالعمل الفردي، فإن الايتام يواجهون معاناة في تغطية رسوم تعليمهم الجامعي، لاننا لا نجد الا ما ندر من لديه الاستعداد للتبرع مثلا، بمبلغ، يضاف الى مبلغ من متبرع آخر، وثالث ورابع وخامس وسادس، ليتم تأمين تعليم هذا اليتيم الفقير.
الكل للفرد، والفرد للكل، اذ ان تعليم الطالب اليتيم، عبر المؤسسات، خير من نثر المال، متقطعا، في مواقيت مثل رمضان والاعياد فقط، وترك اليتيم بقية العام، وبين ايدينا مشروع قائم وناجح وشفاف في معلوماته وموازنته وطرق انفاقه، اطلقته الملكة رانيا عام 2003 وهو صندوق الامان لمستقبل الايتام، الذي نجح حتى الان بتعليم اكثر من ثلاثة الاف طالب يتيم، جامعيا، ويتبنى حاليا تعليم المئات في الجامعات والكليات والمراكز المهنية، وهذا الصندوق، يتلقى التبرعات، من الافراد، والمؤسسات، وهو من المشاريع الناجحة والمبادرات التي تعمل دون ضجيج ، لان الهدف هو تأمين المال لتعليم الايتام الفقراء، وليس الدعاية للصندوق او للمبادرة، او للقائمين عليه.
طموحات الصندوق كبيرة، والكل يعرف ان كلفة الرسوم الجامعية، ونفقات الدراسة كبيرة، وانا من خبرة في العمل الانساني، لاكثر من خمسة عشر عاما، اعتقد ان من مساوئ العمل الخيري في الاردن، دفع مئات الملايين سنويا، من الافراد والمؤسسات الى الافراد، دون تنظيم، ودون ان تظهر حتى نتائج هذا المال، على العائلات والافراد المحتاجة، والذي يزور عائلة تتلقى دعما من عدة جهات، ومن افراد، يجد بعد سنين ان لاشيء تغير عليها، والسبب، ان العمل غير منظم، ووضع العائلات، لايخضع لادارة لصالحها، مثلما تنزع عائلات كثيرة للاسف، الى ابقاء المشهد الظاهري الفقير، كما هو، من اجل الحصول على مزيد من المال من المتبرعين، والخلاصة، ان قصة التبرع الفردي، على اهميتها، يتم تبديد بعض فوائدها، جراء الممارسات الاجتماعية الخاطئة، فالفقير، غير منزه، احيانا، عن الرغبات والاخطاء، او الممارسات غير الراشدة.
لقد آن الأوان، ان نلجأ الى المؤسسات الكبيرة، واذا كان هناك انطباع عن بعض الجمعيات والمؤسسات انها غير آمنة، او تدير نشاطها بطريقة فيها لبس او شبهة او سوء ادارة، فإن هذا لا ينطبق على كل المؤسسات، خصوصا، تلك المؤسسات التي تحظى برعاية من نوع خاص، ولديها برامج واسس ومعايير وشفافية مالية، تحمي المستفيد والمتبرع على حد سواء.
هذه دعوة للافراد، ايا كانت مساهماتهم، دينارا، او خمسين دينارا، او الف دينار، او اكثر، للاتصال بصندوق الامان لمستقبل الايتام، من اجل المساعدة، في تعليم الايتام الفقراء، فأنت تضمن هنا، ان تعلم يتيما، ولو بمساهمة محدودة جدا، بدلا من دفع المال، لليتيم مباشرة، وهو مال، قد يبدده اولياء الامور، او حرمان ذات اليتيم من المال، من العائلة التي تشرف عليه، لاعتبارات متعددة، كما اننا بحاجة الى دور مهم من جانب المؤسسات الاقتصادية والجهات الداعمة، محليا وعربيا ودوليا، من اجل دعم هذا الصندوق، ماليا، حتى يكون قادرا على التوسع في خدماته.
انفق الاردنيون مليارات الدنانير على مدى عقود، في العمل الخيري، ومن المحزن حقا، ان نعود الى عائلة بعد عشرين عاما، من دعمها بمبالغ كبيرة، فنجدها كما هي، اذ في حالات كثيرة، يبدو مبدأ ادامة الفقر، افضل للعائلة، من ظهور النعمة المخفية عليها، ولا حل لهذه الظاهرة، الا ان نؤمن بدعم البرامج، والمؤسسات التي ترعى الفقراء والايتام، بدلا من التبرع الفردي الذي يتم تبديده بوسائل كثيرة.
maherabutair@gmail.com
الدستور