عفرا .. السياحة في عهدة المقاولين
د. صبري ربيحات
07-07-2017 04:42 AM
لا أذكر اني حضرت اجتماعا او شاركت في نقاش عن تحديات التنمية واستغلال الموارد في الطفيلة دون ان يأتي المجتمعون والمحاورون على ذكر حمامات عفرا المعدنية باعتبارها كنزا من كنوز الجذب السياحي وميزة نسبية يمكن ان تحول الطفيلة الى مقصد من مقاصد السياحة العلاجية، ليس للاردنيين فحسب، بل لكل الباحثين عن الاستشفاء في منتجع يحمل سمات وخصائص وتاريخا ودلالات يصعب ان تجدها في اي مكان اخر.
في عفرا تتضافر طبوغرافية وجغرافية الموقع مع ذاكرة المكان واختلاف وتباين درجات حرارة الينابيع المتجاورة على خلق حالة من الدهشة والاستمتاع، حيث تندفع المياه التي تصل حراراتها الى الخمسينيات والمياه الباردة من نفس الكتلة الصخرية، مضيفة تجربة واحساسا ومتعة يصعب ان تجد مثيلا لها في مكان آخر.
بالاضافة الى متعة النظر الى الينابيع الساخنة وهي تندفع من جوف المقطع الصخري يجري الزائر جولة استكشافية في المكان يتفحص درجات حرارة الينابيع التي تتراوح بين الباردة ومرتفعة الحرارة قبل ان تندمج جميعا في السيل الرئيسي الذي يتابع جريانه ليتقاطع مع وادي البربيطة الذي يحمل مياه الحمامات نحو الاغوار الجنوبية.
اذا ما امضيت ليلة في المكان فغالبا ما تجد نفسك اسيرا مسترسلا في رحلة من التأمل والتفكير الذي قد يقودك الى خارج الزمان والمكان. في الوادي عشرات من القصص التي تروى عن الانبياء والصحابة والصالحين والمارين والمهاجرين. وفي الكهف المطل على اكبر تجمع للينابيع حكايات عن كنوز سليمان ورواية عن إعدام والي منطقة معان الشهير "فروة الجذامي" على يد البيزنطيين بعد معرفتهم باعتناقه للديانة الاسلامية في العام السادس للهجرة.
لا اظن ان الشباب واليافعين من ابناء مدارس محافطتي الطفيلة والكرك كانوا يستمتعون بزيارة او رحلة محلية اكثر من استمتاعهم بالرحلة الكشفية السنوية التي تنظمها مدارسهم للحمامات الواقعة الى شمال محافظة الطفيلة وعلى مقربة من سيل البربيطة الفاصل جغرافيا بين الكرك والطفيلة. فالتجربة بقيت راسخة في عقول وقلوب اجيال من ابناء المنطقة ممن ادهشهم المكان بسحره وتفرده واختلافه عن الكثير من المعالم والمقاصد التي توجهوا لزيارتها ضمن نشاطاتهم المدرسية المتعددة.
لا احد ينكر المحاولات التي قامت بها الحكومة عبر العقود الثلاثة الماضية لتطوير الموقع السياحي وجعل المنتجع اكثر جذبا للسياحة التي تحتاج لها التنمية والسكان في المحافظة الاكثر فقرا وحاجة للمشروعات التنموية المولدة للاعمال. في الوقت الذي اسهم شق وتعبيد الطريق المؤدي للحمامات في توفير فرص الوصول والدخول الى الموقع اسهمت الاعمال الانشائية العشوائية المتعاقبة في تدمير جماليات المكان وتحويله الى ما يشبه المواقع الانشائية الدائمة.
العبارة الاسمنتية التي تم انشاؤها مؤخرا أخفت ملامح الوادي ومنظر المياه الساخنة الذي كان احد اهم عناصر الجذب التي يتطلع الزوار الى مشاهدتها والمشي فيها قبل ان يصلوا الى برك الاستحمام الرئيسية. التعديلات التي اجريت على المكان حولت الموقع من منتجع طبيعي تتداخل اركانه ومكوناته في خلق الحالة الجمالية التي اعتاد عليها الزوار الى ما يشبه المرفق الخدمي التجاري الذي فقد جاذبيته بعد ان تكدست في جنباته اكوام النفايات.
الحالة التي آلت اليها الحمامات اليوم تبعث على التساؤل فيما اذا كانت التدخلات التي نقوم بها تحت عناوين التنمية والتطوير تؤدي أغراضها وغاياتها. وهل يمكن ان تكون الاوضاع افضل مما هي عليه لو تركت دون تدخل. لا احد يملك الاجابة عن هذا السؤال لكن من الواضح ان الكثير من التدخلات والمشاريع لا تستند الى رؤية واضحة ويجري تبني الكثير منها بدافع رفع العتب والإرضاء دون تقييم لمدى الجدوى او الملاءمة او الضرر الذي قد تحدثه تدخلاتنا.
الغد