ثمّة سؤال ألحّ عليّ وأنا أتابع مسلسل الجماعة، الجزء الثاني، عن السبب الذي لا نجد فيه إنتاجاً فنيّاً مماثلاً أردنياً، يتناول حقبا من التاريخ السياسي الأردني، بصورة معمّقة، وينير عليها، برؤية درامية فنية، تقرّب تاريخنا للأجيال الجديدة، والرأي العام الأردني والعربي عموماً!
بعد كل حلقة من حلقات المسلسل كنتُ أعود إلى المراجع التاريخية المتخصصة، لأقرأ من جديد، وأُمحّص بعض المعلومات، ما دفعني إلى قراءة كتب جديدة، لم أكن مطّلعاً عليها سابقاً عن تلك المرحلة من تاريخ مصر المعاصر، من مذكرات زينب الغزالي إلى مذكرات علي العشماوي، وصالح العشماوي، إلى مذكرات سيد قطب، التي جاءت على صيغة روايات عن حياته وطفولته (طفل من القرية، رواية أشواك، لماذا أعدموني..) إلى كتبٍ أخرى، كلها قرأتها تحت وقع تأثير المسلسل!
في المقابل، كنتُ أتابع الدراما الأردنية المحدودة أصلاً، خلال الشهر الفضيل، وكانت مرتبطة – كالعادة- بالحكايات البدوية، وهو نموذج فني جميل، تميّز به الأردنيون على مرّ العقود الماضية، لكنّه لا يجوز أن يختزل الدراما الأردنية، بعيداً عن القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية، التي تغيب تماماً لأنّ شركات الإنتاج الفني تفضّل الدراما السورية والمصرية على الأردنية التي لا تجد أي دعم من الدولة ولا أدنى اهتمام!
وكأنّ الفن والدراما أمور لا علاقة للدولة بها، بينما النظام السوري وهو في ذروة الحرب، وعلى وشك الهزيمة، في مراحل سابقة من الحرب الداخلية في سورية، لم يتوقف عن دعم الدراما، والاعتماد عليها في تمرير روايته وفي معركته الإعلامية!
بالضرورة لا يمكن اختصار السبب في تجاهل الدولة للفن الأردني، وعدم دعمه، وإن كان هذا سبباً جوهرياً ورئيساً، لكنّ هنالك أسبابا أخرى مرتبطة – بصراحة- بضعف النصّ الروائي الأردني في تناول حقب تاريخية متعددة، بحرية سياسية، أو حتى تناول الشأن الاجتماعي والثقافي العام المرتبط بالحالة السياسية، كما هي حال المسلسل الشهير "ليالي الحلمية" مثلاً!
إذا تحدثنا عن "النصوص" فهنالك عدد محدود يمكن الإشارة إليه، مثل بعض روايات الراحلين زياد القاسم، مثل أبناء القلعة، ومؤنس الرزاز، وغالب هلسا، مثل مسلسل سلطانة، الذي أُنتج وكان من المفترض أن يعرض على تلفزيون الـAtv، لكنه لم ير النور أردنياً، وعُرض على قنوات عربية أخرى، ومرّ من دون اهتمام حقيقي!
هنالك روائيون اردنيون متميزون بالشؤون الاجتماعية والثقافية، مثل جمال ناجي، وليلى الأطرش، وغيرهما، لكنّنا ما نزال نفتقد إلى روايات تدمج السياسي بالثقافي والاجتماعي، التي تسلط الضوء على فترات وحقب وشخصيات مفتاحية مهمة في التاريخ الأردني، حتى الملك الحسين الراحل، بكل عبقريته السياسية، لا نجد عملاً فنياً معتبراً عنه، أو عن وصفي التل، أو عن هزّاع المجالي وغيرهم من شخصيات لأسمائها رنين هائل في الذاكرة الأردنية!
من أسباب هذه الفجوة المخجلة في المشهد الفني الأردني أيضاً ضعف منسوب الحرية في تناول تلك المراحل والفترات، كوننا نعاني حساسية شديدة سياسية وثقافية واجتماعية في تناول أي مرحلة تاريخية! ثم نشتكي - في نهاية اليوم- بأنّ هنالك جهلاً من قبل الأجيال الجديدة بالتاريخ الوطني وبالشأن السياسي، وبالشخصيات السياسية التاريخية، وكأنّنا قدّمنا لهم شيئاً حتى نلومهم لاحقاً؟!
الغد