لأنه أحد ثروات الأردن التي لا تنضب ولن تنتهي، يمتلك المغطس أهمية خاصة قد لا تضاهيه فيها حتى كنوز الأردن من فوسفات وبوتاس.
لهذه الدرجة وبدون مبالغة يكتسب هذا الموقع أهمية تاريخية دينية وحتى اقتصادية، لما تحمله فرص تطويره وإدارته من قيمة لا حدود لها، تؤهله ليكون كنز الأردن الذي يزيد ولا ينقص، إن نحن أحسنا إدارته والتخطيط المستقبلي له.
حكومة د. هاني الملقي بدأت بالتفكير بالمغطس واستثماره منذ بدايات عهدها، واتخذت مجموعة من الخطوات التي تظن أنها مهمة كأساس لتنفيذ رؤيتها.
ما قامت به خلال عام مضى أنها فصلت المغطس عن وزارة السياحة بحيث لم تعد الوزارة صاحبة الولاية على الموقع المهم، بل صارت هذه المهمة ملقاة على عاتق مجلس خاص لإدارته.
خطوة الفصل يختلف عندها الرأي؛ فهناك من يرى أنها انتقاص من دور الحكومة واعتراف بعجزها عن إدارة الملف، فيما يرى فريق آخر أن الخطوة مفيدة وإيجابية طالما كان الهدف استثمارا أفضل يعظم الفائدة من الموقع الذي لم يحقق الفوائد المنشودة حتى الآن.
لهذه الغاية أقرت الحكومة نظام هيئة موقع المغطس رقم 44 لسنة 2017، والمكون من 12 مادة. وتنص المادة 3 على أنه "تؤسس في المملكة هيئة تسمى (هيئة موقع المغطس) تتمتع بشخصية اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري ولها بهذه الصفة تملّك الأموال المنقولة وغير المنقولة اللازمة لتحقيق أهدافها وإبرام العقود وقبول التبرعات والهبات والوصايا والقيام بجميع التصرفات القانونية ولها حق الاقتراض بموافقة مجلس الوزراء وأن تنيب عنها في الإجراءات القضائية المحامي العام المدني أو أي وكيل آخر توكله لهذه الغاية".
ما يلفت في هذه المادة أن هيئة المغطس منحت وصف "الشخصية الاعتبارية"، وهي نقطة تحتاج لإجابة القانونيين الذين يعرفون جيدا أن هذه الصفة تكتسب بموجب نص قانون، وليس نظام!.
أما المادة الأخرى التي تستحق التوقف عندها لخطورتها، فهي السابعة التي تُحدد بموجبها صلاحيات مجلس هيئة المغطس؛ إذ يحق للمجلس وضع الخطط والبرامج لإدارة الموقع والحفاظ عليه وصيانته وتطويره وإقرار المشاريع اللازمة لهذه الغاية، ووضع أسس استثمار الموقع وتطويره بما في ذلك الأراضي والمنشآت والمباني القائمة عليه، واستثمار المنشآت والمباني في الموقع وتأجيرها بمقتضى عقود تبرم مع الغير لهذه الغاية.
كما يحق للمجلس الترخيص بتعبئة مياه المغطس حسب الشروط التي يراها المجلس مناسبة وبالتنسيق مع الجهات المعنية، وذلك على الرغم مما ورد في أي تشريع آخر، إلى جانب تحديد بدل الخدمات التي تستوفيها الهيئة أو المستثمرون من الخدمات المقدمة للحجاج، إلى جانب بند فضفاض يمنح المجلس اتخاذ القرار بأي أمور أخرى يتطلبها تحقيق أهداف الهيئة.
المهم أن كل ما تم سابقا جاء بعد عرض قدم من مستثمرين لإدارة وتطوير الموقع، تبين لاحقا أن التشريعات والأنظمة المعمول بها لا تحقق ذلك، ولهذه الغاية عدل قانون وزارة السياحة ووضع النظام السابق.
كل ما سبق مفيد، وربما ضروري، إن مضى وفق هدف واحد هو تحقيق القيمة الفضلى والمنافع الأكبر للأردن، حتى لا يأتي يوم ونكتشف أننا فرطنا بهذا الكنز، الذي لا نبالغ إن قلنا أن قيمته تتجاوز البترا بكل عظمتها، والمتمثلة بالقيمة الدينية لمليارات المسيحيين.
اليوم، وحسب ما يتوفر من معلومات، أن النية تتجه لمنح صلاحيات استثمار الموقع المقدس لمستثمر وحيد قيمة استثماره بمئات الملايين، وهذه المعلومات تعتبر غير كافية وتثير العديد من التساؤلات المشروعة أهمها: لماذا مستثمر واحد لهذا الموقع الواسع والمتعدد الأنشطة؟، وما هو العائد على الخزينة من هذا الاستثمار؟، وما هو العائد على المجتمعات المحلية وعملية التنمية هناك؟، وهل سنعيد الكرة باستثمارات ومستثمرين غير مفيدين للبلد والمجتمع؟.
الحكومة وضعت الأرضية المناسبة لانطلاقة حقيقية لاستثمار الموقع لتنشيط السياحة الدينية، بيد أن السؤال: هل وضعت المعايير التي تضمن تطبيق معادلة الاستثمار بحيث يستفيد الجميع؛ المستثمر والمنطقة والمجتمع المحلي وأيضا خزينة الدولة؟.
المغطس، بالمناسبة، لا يقل أهمية عن الفوسفات كثروة وطنية، وهي الثروة التي ما نزال ندفع ثمن أخطاء إدارتها حتى اليوم، ومنها أن حق منح التنقيب عن الفوسفات لم يعد للأردن بل بيد المستثمر الأجنبي الذي تمثله بروناي في حالة الفوسفات. فهل نجنب المغطس هذا المصير أم أن التاريخ سيعيد نفسه؟.
الغد