كم ولداً عندك؟ أربعة.هل زوجتهم؟ نعم.اذن ارتحت من همّهم.نعم،لكني اغرقتهم بالهموم . كيف؟ ثلث راتبهم يذهب لايجار البيت .الثلث الثاني لقسط السيارة.الثلث الثالث للأكل والشرب والهواتف الخلوية.الثلث الرابع لفرق ارتفاع اسعار البنزين وكرتونة البيض وحبة الفلافل التي كلما زاد سعر تنكة البنزين صغُر حجمها حتى صار سعرها عشرة قروش وحجمها اصغر من القرش.ولا ندري ما علاقة البنزين بالفلافل اللهم الا اذا كان الجشع سيدفع الفاسدين لقلي الفلافل بالبنزين و السولار اذا ما استمر الحال على هذا المنوال!
هل قلت«الثلث الرابع»؟؟نعم قلت الثلث الرابع وهو من قروض بنكية ومن ما حوّشته طيلة اربعين سنة من العمل كالحمار ليلا ونهارا فقط على أمل أن اوفر لهم حياة كريمة بلا قروض ولا ديون لكي يساعدوني حين ابلغ من العمر عتيّا!
ألم تعلمهم كيف يتدبرون أمورهم في هذا الزمن؟كيف؟ تقصد أن يكذبوا،يسرقوا،يتحايلوا،يتاجروا بما لا يتاجر به،..الخ. لا..لا اقصد «يمشّوا حالهم» .كيف ؟ يعني ان يكذبوا بصدق،ان يغشوا بأمانة،ان يتحايلوا باستقامة، ان يفسدوا بنظافة ..وهكذا .هذا هو منطق العصر.
فاتتني هذه،فقد علمتهم ان يقولوا الصدق ولو على نفسهم.ان لا يسرقوا ولو جاعوا .ان لا يدخل جيوبهم ولو قرش حرام.ان لا يبيعوا كرامتهم ولو بأموال الدنيا.أردتهم ان يكونوا مواطنين صالحين ،رجالا بمعنى الكلمة لا رجالا كالغيمة حيث تميل الريح يميلون.ان يؤمنوا بأن القناعة كنز لا يفنى ،أن يتعلموا الفرق بين الامل و الوهم،وبين القناعة و الاستكانة، وبين الحسد والغبطة ،و..أن الرزق كما العمر مكتوب .لكن «اسع يا عبدي وانا اسعى معك».لم اكن اعلم ان زمنا سيأتي تشرق الشمس فيه من الغرب .يسود فيه العبد سيده .تصبح فيه اليد النظيفة خالية من رغيف الخبز والوسخة ممتلئة بحقول القمح .زمن يأكل فيه الاخ لحم اخيه بل ويقتله طمعا بمتاع الدنيا .ان يُلقى بالام في دور العجزة والاب الى الارصفة .
حسناً..هل انت نادم على ما فعلت ؟ لا لست نادماً ،فما غرسته في اولادي لا يُشترى بالمال .وكم من ثري يتمنى لو ان ابنه يقبل رأسه ويقول له :هل تريد شيئاً يا ابي ،انا ذاهب الى عملي .فيقول له:لا يا بني ،الله يرضى عليك .وكم من ام ثرية تتمنى ان تقول لها ابنتها:هل تسمحين لي ان ازور صديقتي ؟ لا ان تسألها امها وهي عائدة الى البيت عند منتصف الليل :اين كنتِ ؟فتجيبها :وانتي مالك؟
لقد اصبحنا كائنات استهلاكية .نأكل مما يصنعه اولئك الذين علمناهم الطب و الفلك والكيمياء والجبر و الهندسة .كائنات «خلوية» خالية من الاخلاقيات العربية والاسلامية .
يحزنني ان اقرأ ما اعلنته جمعية معهد تضامن النساء الأردني «تضامن»، انه بمراجعة عدد وقوعات الطلاق المسجلة في بلدنا بلغت خلال عام 2016 حوالي 22 ألف واقعة طلاق.و ان الاردن سجل16.1 ألف واقعة طلاق عام 2011 ، و 17.7 ألف حالة عام 2012، و 19 ألف حالة عام 2013، و 20.9 ألف حالة عام 2014، فيما سجلت 22.1 ألف حالة خلال عام 2015.لذلك اندم انني زوجت ابنائي مع انني لم ازوجهم هم الذين تزوجوا من عرق جبينهم وفتحوا بيوتا في هذا العراء.
يحزنني ان الزمن اصبح وحشاً يفترس كل القيم والاخلاق التي تربينا عليها .وان امتنا اصبحت من المحيط الى الخليج حاضرة لكن بلا حضارة و بلا كرامة .
الدستور