جدلية الادعاء والافتراء مع البراءة او عدم المسؤولية جدلية إنسانية قديمة ، ولذلك نظم الفقه القانوني آلية الادعاء وصنف الأدلة ودرجات حجتها وترك لهيئات التحقيق والقضاء مهمة اعتمادها من منطلقات علمية ومعرفية للوصول الى الحقيقة واحقاق الحق ، ومع كل هذا الابداع الفقهي لتحقيق العدالة والوصول الى الحقيقة ، فقد وقعت هيئات التحقيق وحتى المحاكم في أخطاء تاريخية وتم ادانة افراد او منظمات او دول ظلما وبهتانا ، وعلى المستوى الفردي تعتبر قضيه الضابط الفرنسي " دريفوس " رمزا لظلم الاتهام اذ اتهم هذا الضابط بتسليم ملفات سريه الى المانيا أثناء حربها مع فرنسا ، وادين بتهمه الخيانة ، وحكموا عليه بالأشغال الشاقة ، وقد ناضل هذا الضابط وعائلته سنوات لإثبات براءته ، وفي نهاية المطاف تبين ان الخائن هو ضابط اخر يدعى ايسترازي وبعد اكثر من عشر سنوات ، تم اعلان براءة دريفوس بمرسوم خاص من رئيس الجمهورية الفرنسية في ذلك الحين .
اما على الصعيد الدولي فعلى اثر الادعاءات الامريكية البريطانية بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وينوي استعماله ، تشكلت هيئة تحقيق من اعلى سلطه في الأمم المتحدة ، بحثت تحت كل حجر في العراق عن هذه الأسلحة الا انها لم تجدها ، ولكن ذلك لم يثن الولايات المتحدة وبريطانيا ، من السعي لتحقيق الهدف غير المعلن وهو تدمير العراق ارضاً وشعباً فقاما بفبركة الحجج والدلائل المزيفة والمصطنعة سواء بتهويل التقارير الاستخبارية المقدمة ، او عرض الصور بالحركات البهلوانية من قبل وزير الدفاع الأمريكي كولن بوول على أعضاء مجلس الامن والتي تبين فيما بعد انها كانت مركبه ومزورة ، ومن قبيل ما يطلق عليه بالقانون " صنع البينة " والتي يتم اللجوء اليها ، وفبركتها في الادعاءات الدولية ضد دوله مغضوب عليها لخلق ذرائع تدمير المدن قضية ابنة السفير (نيره) مثال على ذلك حيث تم اختيارها وتلقينها لتشهد باكية امام تجمع للجنة حقوق الانسان في العاشر من تشرين اول عام 1990 وقدمت على انها فتاه كانت تتواجد في احدى مستشفيات الكويت وانها شاهدت جنودا عراقيين يأخذون أطفالا من الحاضنات ويتركونهم يموتون مسرحيه اشرف على إخراجها وتنفيذها شركه هيل نولتن المتخصصة في العلاقات العامة التي تولت حمله كسب التأييد للحرب لقاء 12 مليون دولار في ذلك الوقت . وغابت الحقيقة حتى عام 2009 عندما صدر تقرير لجنة التحقيق البريطانية حول مبررات الحرب على العراق وتولاها القاضي تشلكوت والذي جاء بتقريره ما يلي :- " ان الأوهام وتقارير الاستخبارات السرية لم تصل الى دليل ملموس بامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل " ويضيف ان ذلك أدى الى احتلال دولة ذات سيادة وهذا قد يرقى الى جريمة حرب .
الفصل الأخير بالاتهامات ذات الطابع الدولـي هو استعمال الاسلحــة الكيماوية في خان شيخون بسوريا ، فبعد انتظار توصلت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الى ان ضحايا خان شيخون قضوا نتيجة انتشار غاز السارين الا انها لم تجزم بان غاز السارين كان نتيجة قذائف محمله بالغاز القيت من الطائرات ، بل تم التأكيد ان مصدر الغاز هو حفره في الأرض ، وهذا يفتح المجال اما للقول ان الحفرة نتيجة صاروخ محمل بالغاز او صاروخ غير محمل وقع على حفرة تخزيـــن للأسلحة الكيميائيـــة . لا احــد يستطيع ان يجــزم او ينفي استعمال النظــام او الجماعات المسلحة للغازات السامه، فلا لجنة تحقيق من الأمم شكلت ولا دليل اثبات او نفي تم تقديمه من لجنة محايده. وهناك من يقول : هل نحن بحاجه الى لجان تحقيق ؟! ، فالأمر واضع والدليل قاطع ، ولكن نسي هؤلاء انه عندما تم قصف المدنيين في مذبحة قانا اللبنانية ، وقد فشل مجلس الامن بإدانة إسرائيل بعد استخدام الفيتو الأمريكي بحجة عدم وجود دليل قاطع ، وطالبت أمريكا وبريطانيا بتشكيل لجنة محايده تحت اشراف الأمم المتحدة لتحديد المسؤولية عن المجزرة ، وقد توصلت لجنة التحقيق الى استحالة ان يكون القصف نتيجة خطأ تقني بل كان متعمدا ، وان إسرائيل انتهكت القوانين الدولية المتعلقة بحماية المدنيين خلال الحرب ، ونشر التقرير رغم الضغوطات الأمريكية بعدم نشره ، الا ان الأمين العام المصري "بطرس غالي" الذي وقف مع ضميره رفض المساومة على ذلك مما أدى الى ان يخسر ترشيحه لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة في الدورة الثانية .