الموقف الاردني من الازمة الخليجية.
د. عدنان سعد الزعبي
04-07-2017 10:24 AM
الاساس في النهج الدبلوماسي ان يكون للأردن دور فعال في الازمة الخليجية كونه يترأس القمة العربية ، وان يكون هو المحرك الاساسي لكل الجهود العربية لتطويق الازمة وتجاوزها ، فالأساس ان تتولى رئاسة القمة العربية مبادرة الحل وتسوية النزاع بالتحكيم الشرعي المنطقي القائم على مصالح الامة ، بعيدا عن اخطار المتربصين الذي ينتظرون لحظة صراع وبداية الانهيار العربي لاستكمال حلقات التجهيز عليه ، خاصة بعد ان نجح المخطط الدولي الصهيوني في خلخلة الصورة العربية والاسلامية وبناء صورة مشوهة وبشعة تساهم بإدانتنا الدائمة واتهامنا الصريح . فنحن امام العالم بشر بدون انسانية وقوم لا نعرف معنى الحياة، وعقول ترنوا للخلف ولا امكانية للتقدم والمدنية؟ وثروات لا نستحقها، وقلوب تعشق الدم ؟؟! ومنطقة لا بد من تطهيرها. نعم هكذا هي الصورة عنا، رضينا ام لا نرضى، غضبنا او لا فالحقيقة هي هكذا وبدون مقدمات، ولوان الفيلسوف كرين برنتون اعاد صياغة كتابه (تشكيل العقل الحديث) او ان جون اندال بكتابه (تكوين العقل الحديث) ارادا وصف هذه الحقبة لما تنازلوا عن وصف ا شد مما صورناه، حيث استطاعت الخطة العالمية الصهيونية ان تنجح بعلامة امتياز بتغيير ذهنية العالم بأسره تجاه الشخصية العربية وعقلية الانسان المسلم. (فهل غير القتل والدم والتخلف، والجهل والضعف. والكبت، والاستسلام. الخ) مفاهيم نعتونا بها والصقوها بكل فرد فينا وبمجتمعاتنا. انها الصورة التي تفرش الارضية لتحقيق ما يريدون وما يرغبون ، فشهدنا تونس وليبيا واليمن وسوريا وحاولوا في لبنان ومصر والاردن ، وطمسوا المغرب والجزائر وانهوا الصومال وموريتانيا والسودان ، وجاء الدور الان على الخليج الذي انتظروه طويلا ، حتى جاءت ساعت الحسم فلم يتوانوا للحظة في التصعيد ودق الاسافين وتعزيز الصراع والفرقة التي تمحور المثقفون حولها وتبعهم الاعلام الذي عرى ويعري كل مستور فكانت الحرب الكلامية والاتهامات المخزية ، وكشف المستور والتباهي بالفضائح التي بدأت تسقط اوراق التوت والاقنعة المزيفة التي خدعت الناس في الوطن العربي ، لنجد المتخاصمين في مركب يغرق وهم يعرفون انه يغرق ومن حولهم اسماك القرش تستعد للانقضاض لنيل الفريسة الدسمة ؟؟ ؟؟؟!!
ان الاردن يعي تماما خطورة الموقف ويدرك ايضا ان تدويل الوضع هو استكمال لنماذج الصراع في المنطقة، ويدرك ايضا انه لا يمكن التعويل على موقف عربي موحد ، فالانتماءات والارتباطات والتحالفات مع الاخرين هي اقوى من الالتزام العربي العربي وبالتالي لا يمكن ان تعتمد عليها في بناء موقف عربي موحد قادر على مواجهة ضغوطات الخارج واطماع الدول الاقليمية والدولية ، فالأردن يعرف ان هناك دول لها سيادة وهناك دول جاءت بالإنابة وكل دولة تتصرف بحكم ما ترى فيه نفسها فهناك من يفكر بعقله وهناك من يفكر بجيبه وهناك من لا يفكر على الاطلاق وكأن قضايا امته لا تخصه ولا تعنيه ؟؟ الا بمقدار وضعه ومنفعته.
ليس غريبا ان يلتزم الاردن الصمت إزاء هذه الازمة بعد ان تولت الكويت مسؤولية التنسيق لوضع حد لأي تدخلات خارجية وخاصة اقليمية وغير اقليمية ، فحصر الوساطة بالكويت وقناعة الاردن، بإبعاد دور الكويت وقربها من الاطراف وحصرها في الداخل الخليجي ومحاولة اخراجها من محاولات التدويل مصلحة خليجية عربية ادركها الاردن والكويت وعملا بها معا. فزيارة الملك للكويت والتنسيق مع اميرها على ابقاء الوضع خليجيا مع الابقاء على حالة الانتظار للتدخل الاردني كرئيس للقمة العربية وكقيادة عربية لها حضورها في المجتمع الغربي وعواصم صنع القرار العالمي.
ان الموقف الاردني ليس بلا هوية ، كما يردد البعض ؟!، ولم يكن يوما من الايام بلا عنوان، كما يصفه بعض قصارى النظر ؟ فمشاكل الاردن الاقليمية والدولية اساسها مواقفه الصارمة التي تتخذ بغض النظر عن مدى تعارضها او تقاربها مع المصالح الاردنية، فما اتخذه الاردن من مواقف قومية في المنطقة ومنذ ثلاثين عاما لم تنطلق من مبدأ المصالح الضيقة او تلوين المواقف كما هو الحال بكثير من الدول بل اعلنت مواقفها جهارا نهارا وبإطارها القومي العربي الذي يرفض التدخل الاجنبي ومحاولات الهيمنة من قبل دول اقليمية وغربية تحاول على الدوام وضع اصابعها للتخريب. افلا نتأمل ما حل بنا إبان حرب الخليج الثانية في التسعينيات وبداية القرن الحالي، وتأثيرها على الامة العربية والاسلامية ؟؟!! اولم نتفكر ابعاد الربيع العربي والوبال الذي حل بدولنا العربية وثرواتنا؟
لم يكن سكوت الاردن عن اعلان موقف صريح تجاه الازمة الخليجية ،للاختباء او الهروب ،او لأغراض حسابات ومنافع مستقبلية . فمعاذ الله ان يهرب الاردن للخلف، او ان يدفن راسه بالرمل لكنه مصر على الدوام بان لا تتكرر التجارب المؤلمة الفتاكة التي قصمت ظهر الامة واستباحت درعها واقتحمت خدرها ؟؟!! فمصر يجب ان لا ننسى انها عنصر اساس من عناصر الازمة وأنها مستهدفة مباشرة من الارهاب الذي اتهمت به قطر، وكذلك السعودية البحرين والامارات التي أدركت ان قطر تغرد خارج السرب وان هناك من يصور لها بان الغد أكثر اشراقا، وان كياناتها السياسية ستكون معرضه للخطر إذا ما استمر الامر الى ما هو عليه. وفي الجانب الآخر نجد ان الشعب القطري يتعرض لأعنف حصار سياسي واقتصادي، فمن يخرج من برده يبرد وان الاغطية الخادعة التي يحاول البعض اشهارها ما هي الا اسافين سوف تدق الخاصرة العربية ؟؟؟
فالموقف الاردني قلق للغاية وحذر ، خاصة وانه يدرك تماما ابعاد المخاطر المترتبة على تفاقم الازمة. ليس على دول الخليج وحدها بل والمنطقة باسرها فوق الذي نعانيه ونتجرعه كالسم المميت. لهذا فهو يسعى الآن وفي عواصم صنع القرار الدولي تعزيز مفهوم الحل الخليجي الخليجي لهذه الازمة. وهنا وفي هذا المستوى، فانه لا يجوز التأويل والتفسير العشوائي، وإطلاق الاتهامات جزافا بل واشعال النيرات وتوسيع الخلاف والتخندق ضد بعضنا البعض، بغض النظر عن مدى تأييدي او رفضي لطرف او للطرف الاخر ؟؟؟!!.
فاذا احتدمت الخلافات السياسية وتصادمت، فعلينا محاولة وأدها واطفاء نيرنها . فالترقب، والمتابعة والتدخل في الوقت المناسب يعني العقلانية التي تقتضي تهيئة المناخات والظروف كافة لإنجاح الوساطة الكويتية او الدفع نحو انجاحها بتحييد التدخل الخارجي الذي يتربص لحظة بلحظة للنيل من هذه المنطقة التي تعتبر حلما للجميع. فما هو موقفي كأردني عربي وانا ارى الاف الجنود والطائرات وادوات الحرب والدمار الدولية تدخل قطر بحجة الدفاع عنها، وما هذه الحمية لتي تولدت لدى الاتراك للدفاع عن قطر وهم يدركون ابعاد هذا التدخل ؟!، وها هي إيران تلوح من جديد باتفاقية الدفاع المشترك مع قطر لتجد لها ذريعا للدخول لقطر باسم الدفاع عنها، وهذه باكستان وبعض الدول تتبرع بأبنائها مقابل المال بحجة الدفاع عن قطر. وهذا مؤشر خطير لن يصب اساسا في مصلحة قطر ولا نظامه، بنفس الوقت سيساهم بزعزعة امن واستقرار منطقة الخليج التي يحاول الصغار التسابق لوضع اقدامهم بها وهم يدركون ان الكبار لن يسمحوا ولن يقبلوا ان يتم التطاول على هذه المنطقة على اعتبارها مناطق نفوذ ومصلحة وممتلكات وغنائم لا تحب الدول الكبرى ان يشاركهم بها أحد ؟؟ فهم يشاهدون، ويراقصون العالم كألعاب الدمى بهدف الوصول الى مبتغاهم القائم على المصلحة والمنفعة الخالصة.
يدرك الاردن هذا ويعي لعبة الامم ويحاول على الدوام تحذير الامة كما فعل في حرب الخليج الثانية عندما نصح العرب بعدم اعطاء الشرعية الدولية للجيوش الغربية لدخول العراق ؟؟؟ هذا هو الموقف الاردني، بعيدا عن استغلال الفرص والاصطياد بالماء العكر كما ينادي به البعض؟ فمن اراد ان يشبح على أحد الاردن او يرضي أحد الطرفين فقد ظلم نفسه وظلمنا جميعا في الاردن. فنحن أكثر من عانى ويعاني وسيعاني ان بقي الامر على ما هو عليه، فلا تظلموا موقفنا المشرف ولا تشوهوه.