يجب الا يتحول العمل الانساني الى سلعة تباع وتشترى، حيث البطالة قد تكون أسوأ من الخضوع للاستغلال، والخضوع للاستغلال شيء مكروه، والأسوأ منه الا يجد الشخص من هو مستعد لاستغلاله على الاطلاق.
السيء ايضا ان يدفع شخص اقل من القيمة الحقيقية للعمل، والاسوأ منه الا يجد شخص يريد ان يشتري قوة العمل بحيث يبقى الشخص عاطلا عن العمل.
اما إذا كان المرء مضطرا لبيع قوة عمله لغيره باي ثمن من اجل الحصول على قوته وقوت ابنائه فان هذا عين الاستغلال.
ان البيع والشراء وظاهرة السوق هي ظاهرة قديمة، ظلت آلاف السنين تتم بغرض اشباع الحاجات وليس بهدف الربح.
كان التبادل التجاري يتم لتمكين المرء من الحصول على سلعة يحتاج لها أكثر من السلع التي يبيعها.
كانت النقود ايضا تقوم بهذه المهمة لتسهيل التبادل من اجل اشباع الحاجات.
حدث شيء مهم في اواخر العصور الوسطى، عندما ظهر الانتاج من اجل الربح واستخدم النقود لا لإشباع الحاجات بل للحصول على كمية أكبر من النقود، ومع هذا ظلت كل هذه ظاهرة نادرة حتى النصف الاخير من القرن الثامن عشر عندما ظهر نظام المصنع الكبير وقامت الثورة الفرنسية التي نتج عنها بداية لنظام السوق، حيث كان العمل سابقا لإشباع الحاجات للمرء واسرته، وأصبح هذا التحول يتم لأمور ثلاثة هي العمل والارض والنقود.
اولا: تحول العمل الانساني الى سلعة تباع وتشترى فيصبح مصدرا للدخل لمن يقوم به وللربح لمن يشتريه.
ثانيا: الارض ليست في الاصل الا البيئة الطبيعية التي يتكيف معها الفرد، وتسهم في تشكيل شخصية المجتمع الذي يعيش عليها، فاذا بها مع هذا التحول تتحول الى عنصر من عناصر الانتاج، تستخدم من اجل تعظيم الارباح ويسمح بالاعتداء عليها وتحويلها الى طرق ومبان وبنية تحتية لزيادة الربح.
ثالثا: النقود تحولت من اداة لتسهيل التبادل التجاري الى راس مال لتوليد الارباح.
أما الدول الكبرى فقد اصبحت كسمك القرش يأكل القوي منه الضعيف، وتحتل ارض دولة أضعف منها من اجل الاستيلاء على مواردها وتحقيق الربح لها، وما ينتج عنه من تفكيك اواصر المجتمع وتدمير العلاقات الاجتماعية وهدم البنية التحتية والاقتصادية للبلد الصغير.
لكن حتى تبقى الدولة قوية، لا استغلال بها فيجب ان تكون مؤسساتها راسخة وقوية وخاصة عملياتها الادارية.
للإدارة مجالات وفروع وعناصر ،وللعملية الادارية مقوماتها ،وقواعد الخدمة المدنية احد فروع الادارة العامة التي تهدف الى تنفيذ السياسات العامة للدولة وادارة الافراد ،وتنظيم حقوق وواجبات وعلاقات العاملين بالدولة بعد ان اتسعت مسؤولياتها ،ولم تعد تقتصر على حفظ الامن الداخلي وحماية الحدود بل دخلت في مجالات الخدمة المدنية والتنمية والانتاج ،ومع هذا فان المنطقة العربية تتعرض للعديد من الاخطار والتهديدات ،التي تؤثر بشكل مباشر على الامن القومي العربي ،وذلك في ظل التهديدات الاسرائيلية في قلب الوسط العربي ،ومن بعده محاولات التقسيم، ومن خلال مشروع الشرق الاوسط الكبير ،وثورات الربيع العربي ،التي تحولت فجأة من الربيع العربي الى حروب أهلية في كل من ليبيا وسوريا واليمن والبعض يسعى من خلالها الى الوصول للحكم على حساب الكل .
كما ان المحاولات الايرانية تتغلغل داخل الدول العربية محاولة السيطرة على بعض الدول التي يمكنها ان تؤثر بشكل مباشر على الامن القومي العربي .
ان الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية ،يسعى بكل ما اوتي من قوة الى ضرب اي تكتل عربي قوي لمواجهة التهديدات الجديدة التي تسعى لتدمير الامن القومي العربي ،ومن ثم يسهل تقسيم المنطقة من جديد والاستيلاء على ثرواتها ،واضعاف الجيوش العربية بعد انهاكها في حروب مع الجماعات الارهابية التي زرعتها الولايات المتحدة ،لتكون الذريعة لدخول القوات الامريكية والغربية مرة اخرى للمنطقة بحجة القضاء على الارهاب ،كما فعلت من قبل مع تنظيم القاعدة في أفغانستان .
على الرغم من حداثة الدراسات في موضوع الامن ،فان مفاهيم الامن قد اصبحت محددة وواضحة في فكر وعقل القيادات السياسية والفكرية في كثير من الدول ،وقد برزت كتابات متعددة في هذا المجال ،وشاعت مفاهيم بعينها في اطاره لعل ابرزها الامن القومي الامريكي ،والامن الاوروبي والامن القومي السوفياتي قبل تفككه .
في مجال التوصل الى مفهوم متفق عليه للأمن ،فانه يجدر بنا التعرف على ذلك المدلول في اطار المدارس الفكرية المعاصرة .
فالأمن من وجهة نظر دائرة المعارف البريطانية ،يعني حماية الامة من خطر القهر على يد قوة أجنبية .
من وجهة نظر هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكية الاسبق ،يعني اي تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها الى حفظ حقه في البقاء ،ولعل ما كتب عن الامن هو ما اوضحه روبرت مكنمارا وزير الدفاع الامريكي الاسبق وأحد مفكري الاستراتيجية البارزين ،في كتابه جوهرة الامن حيث قال :ان الامن يعني التطور والتنمية ،سواء منها الاقتصادية او الاجتماعية او السياسية في ظل حماية مضمونة
وقال: ان الامن الحقيقي للدولة ينبع من معرفتها العميقة للمصادر التي تهدد مختلف قدراتها ومواجهتها ،واعطاء الفرصة لتنمية تلك القدرات تنمية حقيقية في جميع المجالات سواء منها الحاضر او المستقبل
اما في الجامعة العربية فقد تم اعداد ورقة عمل حول مفهوم الامن القومي العربي ،لمناقشتها في مجلس الجامعة العربية ،وحددت الورقة بانه قدرة الامة العربية على الدفاع عن امنها وحقوقها وصيانة استقلالها وسيادتها على اراضيها ،وتنمية القدرات والامكانات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ،مستندة الى القوة العسكرية والدبلوماسية آخذة في الاعتبار الاحتياجات الامنة الوطنية لكل دولة .
لذا من الواجب والطبيعي ان يتم التوصل الى المفهوم الشامل ،ووضع الجماعات الارهابية كتهديد اول وتغلغلها في المنطقة هو تهديد للاستقرار .
كما ان وجود قوة عربية متماسكة تحت قيادة موحدة هو الهدف الرئيسي لمواجهة التهديد الارهابي في جميع دول المنطقة للقضاء عليه نهائيا وحتى لا يجد الغرب الذريعة للتغلغل مرة أخرى الى الشرق الاوسط ،لان وجود القوات الامريكية والغربية في المنطقة معناه نهاية السيادة العربية .
لكننا اذا نظرنا للأردن ومن يعتقد ان عمره 100عام ومن لا يعرف تاريخه واهميته وقوته نقول :
في عام64 ق م تم تشكيل تحالف مدن رومانية ضد خطر العرب الانباط في الجنوب وكانت مدن الديكابولس هي من اروع المدن العالمية بعد روما وكان عددها عشر مدن وكان نصيب الاردن منها سبع مدن وهي :
ابيلا ،جراسيا ،جدارا، كانتا ، بيلا ،دايون ، هيبوس
كما كانت ايضا :حرثا ،ام قيس ،جرش ، ام الجمال ، طبقة فحل ، ايدون ، الحصن مدنا مشهورة .
كان عدد سكان جرش 2مليون نسمة .
كان اطول نفق مائي عالمي قديم هو في الاردن في ام قيس وطوله 94كم وعرضه 3.5م
يملك الاردن 13مدرج روماني من اصل 25مدرج موجودة في العالم .
الدولة الاموية انطلقت من أذرح (الشوبك )بعد حادثة التحكيم المشهورة .
الدولة العباسية انطلقت من بلدة الحميمية قرب البتراء بالأردن
الانباط اقدم حضارة عربية كانت موجودة في البتراء بالأردن
اصحاب الكهف كانت بالقرب من عمون وكانت مدينة زاهرة عامرة في ذلك الزمان.
أعظم معركتين اسلاميتين مؤته واليرموك وكانت في الاردن .
شرق الاردن يحوي رفات 36ألف صحابي من اصل 110ألف صحابي ، يعني قرابة 30% من صحابة رسول الله صلعم ،يرقدون تحت ثرى الاردن .
هذا تاريخ الاردن الذي يجب ان نحافظ عليه .
حتى نعمل على تحقيق الامن القومي العربي ،لابد من صناعة بنية تحتية تؤهل الدولة بالمهمات بمهنية عقلية علمية وحسابات دقيقة .
للعمل على صناعة الانسان العربي من جديد المؤتمن على الامن القومي العربي ،واذا غاب المواطن فلن نجد من يسهر على هذا الامن ويدافع عنه ،بسبب تعرضه للقمع والاستبداد والملاحقة، واغلبهم يلاحقهم الفقر والجوع وسوء الاحوال الصحية والغذائية وسوء المستوى التعليمي .
الانسان المهزوم لا يمكن ان ينتصر، واذا كان له ان يحقق التقدم فعليه ان يتغلب على نفسيته المهزومة، ولا يكون مهزوما داخليا امام التحديات التي تواجهه والاعداء الذين يطمعون به وبثرواته، حيث لا أمن دون وجود مواطن حر عزيز كريم مشارك في صنع القرار .
dr.sami .alrashid@gmail.com