تتداول الأوساط السياسية والشعبية في المملكة سيرة الفساد كما يتهامس كثير من المواطنين بأسماء بعض رموز هذا الفساد ،قليل منهم ثبت عليه ارتكابه لهذا الجرم وجلهم لم يثبت عليه أو بالأحرى لم يتم توجيه اتهام رسمي لهم ،مع أن الشبهات تحوم حولهم وربما يكونوا غارقون بالفساد لكن عدم وجود الأدلة أو إخفائها حال دون محاصرتهم وتضييق الخناق عليهم.
والفاسدون كما هي الرتب الوظيفية درجات بعضها خاص بأباطرة الفساد ودهاقنته الذين يرتبطون بشبكات ودهاليز تصل إلى عدد من أصحاب السلطة وهؤلاء بعيدون عن المساءلة ويحركون مقاليد الأمور ويرفعون زيد وينزلون عمر، ويقررون قيمة ومقادير الناس على ضوء معايير يجهلها السواد الأعظم من المواطنين. بعض الفاسدين هم "فرخ" جديد يناضلون للارتقاء إلى مصاف الرتب العليا من الأباطرة الضالعين في الفساد. الفرخ الجديد من الفاسدين هم أشد ضراوة في النضال والتسحيج والنفاق لأصحاب السلطة من أقرانهم الذين سبقوهم في هذا المضمار غير المشرف. نعرف بعض الفاسدين الجدد ممن يجاهر بنفاقه علنا، ويسبغ من الأمجاد والألقاب على أصحاب السلطة والقرار ما ليس فيهم لدرجة أن المسؤولين يشعرون برخص هؤلاء "الطلق" الجديد من الفاسدين ويتوقعون منهم مزيدا من النضال الفاسد من أجل الارتقاء في سلم الفساد في الأردن. إنهم يرتعون في الفساد هم وأبنائهم ويتملقون أصحاب السلطة من أجل عطف يعطيهم بعض القيمة التي يفتقدونها لدى الناس. إنهم يتاجرون بحاجات الناس وعوزهم فيعطون الوعود ،ويوهمون الناس بأنه لديهم السلطة والحظوة التي تمكنهم من تحقيق حاجات المواطنين وسد عوزهم.
أما وقد أضحت مؤسسة الفساد السياسي كبيرة في الأردن، وهي وفي نمو وازدياد، فإن السؤال الذي يبرز هنا من الذي يغذيها ويعمل على إدامتها؟ من الذي يختار بعض الناس الذين لديهم اتجاهات واستعدادات شخصية نحو الفساد والرشوة والمحسوبية وأكل الحقوق ومنح الحقوق بغير وجه حق ؟ ومن الذي يكافئ الفاسدين ويوليهم أمور الرعية مع سابق علمه بفسادهم؟ من يتحمل مسؤولية الفساد ؟ وإذا كان دور دائرة مكافحة الفساد محاربة الفساد فلماذا لا نراها تحاصرهم وتقعد لهم كل مقعد؟ رموز الفساد في الأردن معروفة للقاصي والداني كل في حقله ومجاله فدهاقنة الفساد في قطاع الاتصالات معروفين ويمكن للعاملين في هذا الحقل أن يحدثوك ويزودوك بالأدلة على فساد بعض مسؤولية ، وينطبق الأمر ذاته على الجامعات والمعاهد الأكاديمية وكافة قطاعات ووزارات الدولة ومؤسساتها المستقلة وغير المستقلة والبلديات ؟ أمانة عمان الكبرى التي من المفروض أن تكون الأغنى من كافة مؤسسات الدولة وبلدياتها نظرا للمداخيل والإيرادات الضخمة التي تدخل موازنتها ترزح تحت مديونية كبيرة فيا ترى أين تذهب أموالها؟ ويبقى السؤال الذي أطرحه على القراء الكرام هل المسئول هو صاحب الولاية العامة الذي يعتقد بان الناس مصابة بالعمى والطرش عن تعيين الأبناء والمحاسيب في مواقع المسؤولية؟ أم أن المسئول هو قلة الدين وتجاوز قيمه ومبادئه العليا التي جعلت من أبا بكر وعمر وعثمان وعلي بني أبي طالب رضي الله عنهم وأرضاهم دينا يمشي على الأرض من كثرة تواضعهم وتمثلهم لحياة وظروف وأحوال رعيتهم وخضوعهم للمسائلة والمحاسبة من قبل رعاياهم؟ أم أنه لم يعد هناك شخص كبير للفاسدين بقدر ما أن الفساد وثقافته تؤسس له وتدعمه القيم المجتمعية والجاهلية التي تمجد الذاتية والأنانية وتقديم المصلحة الشخصية والقبلية والجهوية على المصلحة العامة للوطن والرعية؟ وأخيرا نتساءل ما دور النواب وممثلي الشعب في محاربة الفساد أم أن هذا المجلس يعاني ذاته من الفساد ؟وإذا كانت السلطة التنفيذية تتحمل المسئولية القانونية والدستورية بموجب دستور الدولة النافذ في انتشار الفساد فما هي المسئولية الأخلاقية والأدبية التي يتحملها رئيس الحكومة المناط به إدارة كافة شؤون الدولة ؟وكيف يمكن إعادة النظر في بنية نظامنا السياسي ومؤسساته وهياكله وسلطاته المختلفة وفي مقدمتها السلطة القضائية لجعلها أجهزة ليس فقط محصنة ضد الفساد ولكنها أجهزة مطاردة للفساد أن وجد وملاحقة للفاسدين أينما تواجدوا؟