ما من شك بان السنة الأولى من عمر أي مجلس نيابي (الدورة العادية الأولى تحديدا) تحتل أهمية بالغة في مسيرته النيابية، ويتوقف عليها الحكم على ادائه وتقييمه وتكوين الانطباع عنه. فما ان يتشكل المجلس حتى يصبح في دائرة الاهتمام والمتابعة من قبل الجميع وسط أجواء لا تخلو في الغالب من التفاؤل ، بحكم انه جديد ويضم عناصر جديدة متحمسة ( او عناصر من مجالس سابقة تتمتع بكفاءات وخبرات ) لتقديم ما هو افضل لكن هذه الأجواء التفاؤلية والحماسية مرهونة بالأدوات والاليات التي تقود أداء المجلس من رئاسة ومكتب دائم ولجان دائمة وكتل برلمانية وكلها عناصر هامة ومؤثرة ، ولها دورها في الحكم على هذا الأداء .
ان التحدي الذي يواجه النواب في هذه المرحلة هو كيفية اختيار وانتخاب الأشخاص في هذه المواقع البرلمانية ( الرئيس المكتب الدائم اللجان ) او الانضمام لها ( الكتل ) وهم لا يعرفون بعضهم ولا المؤهلات والإمكانات والقدرات التي يتمتع بها كل نائب ، خاصة اذا ما كان غالبية النواب هم من العناصر الجديدة التي تدخل قبة البرلمان لأول مرة . وغالبا ما تترك الأمور في مثل هذه الحالة للمجاملات والمخاجلات والتفاهمات والتوافقات (والصفقات) المصلحية او للحدود الدنيا من المعرفة ببعض الشخصيات النيابية التي ترغب بالترشح او الانضمام لهذه المواقع. الامر الذي قد يؤدي الى غياب الخبرات والكفاءات والاختصاصات عند تشكيل اللجان تحديدا، او الى غياب التوافق والانسجام بن أعضاء الكتل وعدم وجود قواسم مشتركة بينهم في المواقف والآراء والطروحات ما يجعل منها كتلا هشة وهلامية قابلة للتفكك والحل في أي لحظة. وما ان تنطلق عجلة الأداء النيابي وتبدأ المناقشات والمداخلات النيابية في إطار المهام والصلاحيات الدستورية المنوطة بالسلطة التشريعية في التعاطي مع القضايا الوطنية والبيان الوزاري والثقة بالحكومة ومراقبة اعمالها وسياساتها وإقرار القوانين والتشريعات، حتى تبدأ تتكشف الأمور وتظهر مكامن القوة والضعف وكل ذلك على حساب سمعة المجلس ورصيده الشعبي. وهنا تكمن الخطورة خاصة ان معظم النواب بلا خبرة ولا تجربة برلمانية، وغالبا ما يخوضون الانتخابات بصورة فردية بعيدا عن العمل المؤسسي البرامجي، الذي تمثله الأحزاب مثلا او مؤسسات المجتمع المدني التي توفر مساحات مقبولة من العمل الجماعي، بحيث يكون لها انعكاسات إيجابية على أداء النائب المنضوي تحت لوائها، بصورة قد تثري هذا الأداء وتعمل على تجويده وتفعيله. دون ان نغفل أهمية اخضاع النواب الجدد تحديدا الى دورات تدريبية من شأنها التغلب على هذه السلبيات التي قد تفرض نفسها على النائب الذي ما يزال في بداية المشوار .
وكثيرا ما نلاحظ تغيرات جوهرية في السنوات التالية من عمر المجلس في تشكيل المكتب الدائم واللجان الدائمة والكتل البرلمانية (وحتى الرئاسة)، بحيث تصبح أكثر توافقا وانسجاما واختصاص بعد ان بات المشهد تحت القبة أكثر وضوحا بالنسبة لغالبية النواب، وبصورة من شأنها الانعكاس إيجابيا على ادائهم، كنتيجة طبيعية لنضج العمل النيابي وتجويده وتصويبه. وقد يكون ذلك مع الأسف بعد فوات الأوان، وبعد ان تكون القواعد الانتخابية قد كونت فكرتها او انطباعها (غالبا ما يكون سلبيا) عن المجلس خلال السنة الأولى من عمره في مسألة قد تكون خارجة عن إرادة النواب او هي حصيلة واقع نيابي مؤلم فرض نفسه على المشهد البرلماني.