لا زلنا بعد كل هذه السنين منذ خروج المستعمر التقليدي والى اليوم نعاني من خندقة المنتمين للمدارس الفكرية، كل يدعي أنه على الصواب وغيره الخطأ ولا يقبل النقاش ولا التغيير ويعتبر كل من يخالفه عدواً مغرضاً مدسوساً أو عميلاً يستحق القصف بالحق والباطل حتى تبقى القلعة (!) الفكرية صامدة .
_ من الممكن أن نتحدث عن تغول الرأسمالي وجشع الإقطاعي ولكن هذا ليس حكماً مطلقاً على كل ذي مال لأننا رأينا بعض الأغنياء كرماء إنسانيين ذوي مشاعر تفيض منها الرحمة والشفقة والعطاء.
_ ومن الممكن أن يكون هناك من يستغل المشاعر الدينية عند عامة الناس لتحقيق مآرب لكن هذا لا يعني أن الدين أفيون الشعوب فقد رأينا في عصرنا الحاضر كيف كان الدين دافعاً مهماً للتضحية من أجل الاستقلال وطرد الاستعمار .
_ ومن الممكن أن ندعو لوحدة العرب ونتمنى أن يكون لهم كيان واحد لكننا تحت مطارق الواقع يجب أن نعترف بوجود عقبات ليست سهلة لا تقف عند حدود أصحاب الكراسي بل وصلت إلى الناس .
_ ومن الجائز أن ندعو إلى استاذية العالم لكن علينا أن نعترف أن هذا لا يعني السيطرة عليه بل هي أستاذية التعليم ونشر الفكر والأخلاق العالية وليس الهيمنة فقد ولى عهد الحكم الأجنبي المباشر للشعوب من قبل المستعمر .
_ ويمكن لنا أن نزرع الأمل في نفوس الناس ولكن علينا أن نكون حذرين بحيث نفرق بين زراعة الأمل وخداع الناس والقول لهم ان نصر الله قريب . فمع إيماننا بالقدرة المطلقة لله تبارك وتعالى الا إننا نتحدث عن الجهد البشري ً إن تنصروا الله ينصركم ً.
_ ولا بد أن نميز بين الطموح والواقع فما كل ما يتمنى المرء يدركه، وما كل حق استحق. ولا يجوز لنا أن نقفز بالناس قفزات هوائية تسقطنا أرضاً وتسقط الناس معنا ولسان حالهم يقول : لقد كذبتم علينا .
_ وعلينا أن نترك فكرة المنقذ المخلص والسوبرمان محطم الطغيان وأن نبحث عن الوسائل التي سلكتها الأمم المتقدمة من مؤسسية واحترام العقل وبناء الذات والإدارة النظيفة .
إن أصحاب الفكر الحركي والسياسي مدعوون لمراجعة مسيرتهم إذ لا يعقل أن يكون حالهم الذي يعيشون كله نتيجة المؤامرة التي نقر بوجودها ، ولكن عليهم الإقرار بوجود أخطاء استراتيجية أوقعوا فيها أنفسهم ، فإذا راجعوا مسيرتهم فإنهم سيجددون حالهم ويزيلون الصدأ الذي لحق بهم بسبب أو بآخر . فإن رفضوا فإنما هم في نظر العقلاء هياكل وأجسام حزبية أو حركية أو سياسية دون فائدة ترجى ولا مستقبل ينتظر.