الإسلام السياسي .. صنف واحد بـ"ماركات" مختلفة!
رجا طلب
30-06-2017 10:17 PM
من أبرز النتائج التي تمخضت عنها الأزمة بين قطر من جهة وكل من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر من جهة أخرى هي افتضاح أمر التحالف السري والعميق بين الإسلام السياسي السني ممثلاً بالإخوان المسلمين وداعش، والإسلام السياسي الشيعي ممثلاً بتنظيمات الولي الفقيه الإيراني في العراق ولبنان وأفغانستان وباكستان، وجاء التعبير الجلي لهذا التحالف من خلال المواقف المتوافقة حد التماهي لكل من إيران وتركيا في الدفاع عن قطر وعن الموقف القطري في الأزمة وتصوير الدوحة باعتبارها "قلعة الجهاد والفتح الإسلامي" في مواجهة أمريكا وإسرائيل و"الرجعية العربية"، وهو المصطلح "المنقرض" الذي أعاد إحياؤه عزمي بشارة.
الإسلام السياسي بكل أشكاله وتنظيماته ومسلكياته أضر بالدين والرسالة الإسلامية المحمدية، أكثر مما أضر به أعداؤه، لأنه حول الدين السماوي السمح إلى "إيدولوجيا" لها أهدافها السياسية والاقتصادية والتي حدد آلياتها وسقوفها بشر عاديون اختطفوا إيمان الناس وتحديداً السذج منهم، وأعادوا صناعته على شكل ثقافة "استلابية" أساسها إلغاء السلطة الإلهية السماوية، وإحلال سلطة بشرية بديلة عنها تحكم باسم الله، وقامت هذه السلطة البديلة وتقوم باختراع الأكاذيب والقصص والروايات والخزعبلات لترسيخ قوتها، وتغذي كل ذلك بنشر ثقافة "تكفير الآخر"، أو "ثقافة الكراهية"، أو "ثقافة العداوة".
فلا فرق يذكر في حال المقارنة بين فكر " ولاية الفقيه" الذي أحال رجل السلطة السياسية الأول في إيران إلى ظل الله في الأرض، وبين سلطة أبو بكر البغدادي زعيم عصابة داعش الذي نصب نفسه خليفة للمسلمين، على غرار الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ورحمهم برحمته والذين اغتالتهم "السياسية" والمطامع السلطوية وليس الإسلام ( مات عمر مغدوراً وكذلك عثمان وعلى بن أبي طالب).
أوردت هذا التلخيص لتسليط الضوء على فهمي لإيدولوجيا الإسلام السياسي، ولأبرهن على مسألة مهمة للغاية ربما أغفلها الكثير من الباحثين في دراساتهم وأبحاثهم، ألا وهي أن لا فرق جوهرياً في أهداف وأيديولوجيات من يتاجرون بالإسلام سياسياً، فالسلطة السياسية هي هدفهم ولكنهم يلجأون إلى تغليفها "باسم الله "، ولذا فالإسلام السياسي هو منتج واحد ولكن "بماركات " وأسماء مختلفة.
رجب طيب اردوغان هو أخطر رجال الإسلام السياسي في هذا الزمن الراهن، فقد استثمر في الدين والتدين الشعبوي التركي والإسلامي بشكل عام إلى درجة غير مسبوقة، وتدرج في مناصبه السياسية إلى أن استحوذ تماماً على تركيا للدرجة التي أصبح فيها بمثابة المشروع التدميري الممنهج لمشروع أتاتورك، أي إنهاء "العلمانية الأتاتوركية "من أجل إحلال "الإخوانية الاردوغانية " ، والسؤال هنا هل هدف أردوغان رفع شأن الإسلام أم استثمار فيه وذات السؤال يُوجه لخامنئي في إيران ؟
في الجواب: الاثنان هدفهما السلطة والنفوذ والتوسع، وبكل أسف فقد وجد الإثنان في الحالة العربية "الراهنة والواهنة" مناخاً مناسباً من أجل تحقيق أجنداتهما على حساب العرب، وهي أجندة "صفراء متآمرة" تتوافق تماماً مع الاجندة الصهيونية.
ومن القواسم المشتركة بين الأطراف الثلاثة ما يلي :
أولاً: إضعاف الدولة الوطنية العربية لحساب المشاريع الطائفية والعرقية وفقاً لنظرية برنارت لويس الشهيرة والمعلنة والتي حدد فيها كيفية تقسيم الدول العربية وهي النظرية التي لم تستثن أية دولة وطنية على الخارطة الرسمية العربية، ولويس رجل صهيوني مؤثر ورؤيته وخارطته أصبحت مرجعاً للتحالف الثلاثي التركي – الإيراني – الإسرائيلي بالإضافة للولايات المتحدة وعلى أرضية أن ( سايكس بيكو ) لم ينجح بإضعاف الشعور القومي والوطني للأمة العربية، ومن المطلوب إكمال مشروع سايكس – بيكو بمشروع لويس.
ثانياً: لا أعرف ما مدى معرفتهما ببعضهما البعض، فقد كان (عوديد ينوون ) وهو رجل من قسم التخطيط الاستراتيجي بالموساد، قدم رؤية متكاملة عام 1982 حول الرهان الإسرائيلي على الصدام السني – الشيعي ودوره في تفتيت البنى الوطنية للوطن العربي على أرضية طائفية سماه في بحث له وقتذاك ( إستراتيجية لإسرائيل في الثمانينات )، غير أن الغريب أن هذا الرجل الذي رسم سيناريوهات خطيرة للإقليم لم يتطرق للحالة الإيرانية الني تعاني من تناحر طائفي وقومي، وكذلك الحالة التركية، ولا للحالة الإسرائيلية التي تعيش صراعاً قومياً بين العرب واليهود وصراعات ذات طابعي ديني _ قومية وعرقية داخل المجتمع اليهودي نفسه.
وهو أمر يجعلني مضطراً للاقتراب من الاعتقاد أن الأطراف الثلاثة تتخاصم وفقاً لحساب الربح والخسارة السياسية، ولكنها تتوافق على جسد الأمة العربية وعلى بقايا الدولة الوطنية العربية التي اسُتخدمت فيها قطر من قبل هذه الأطراف الثلاثة للإجهاز عليها وتحويلها لمشاريع "تفتيتية".
أمر مؤسف هذا الاستنتاج ولكنه بات واقعاً.
24: