الشفافية .. عنوان المرحلة
مالك نصراوين
23-12-2008 03:15 AM
في جلسة مجلس النواب يوم امس ، وبحضور رئيس الوزراء نادر الذهبي ، تحدث دولة الرئيس بصراحة متناهية وبكل وضوح ، كلاما غير مسبوق من اي مسؤول اردني ، عن خطورة ظاهرة تفشي المخدرات في الاردن ، مما يوحي ان هذا الحديث لم يأتي من باب التحذبر فقط ، بل ان هناك واقعا لم يعد السكوت عنه ، او التقليل منه ممكنا .
ما قاله دولة الرئيس امام النواب امس ، وما قاله قبل يومين في احدى زيارته ، وكرره للنواب ، بان لا مكان في الاردن فوق القانون ، هذه الكلمات الواضحة (رغم عدم الوضوح التام للعبارة الاخيرة ) هي عين الصواب ، وهي الخطوة الأولى البناءة على طريق التصدي للمشكلة ، ومعالجتها بشكل صحيح ، ففي هذه الكلمات تحفيز لكل المعنيين ، من مسؤولين ومواطنين ، وللمجتمع برمته ، بمختلف مؤسساته الاعلامية والثقافية والتربوية ، ولكل مؤسسات المجتمع المدني ، كي تدرك اولا ان المشكلة موجودة ، وكي تنهض بدورها للمساهمة في التصدي لها ، ومنع تفاقمها ، ومعالجة آثارها المدمرة للفرد والاسرة والمجتمع .
الرئيس نادر الذهبي ، الذي يعمل دوما بتوجيهات جلالة الملك ، بستحق الثناء على هذه الجرأة غير المسبوقة ، في التصدي لآفات طالما كنا نغمض اعيننا عنها ، ونتصرف ازاءها كالنعامة ، بدفن رؤوسنا بالرمال ، بحجج واهية ، منها تلك الكليشة المعهودة ، والتي عفى عليها هذا الزمن ، زمن الشفافية والمصارحة والحرية والديمقراطية ، فلن يساء الى الاردن لا اعلاميا ولا سياحيا ولا استثماريا ، ان يشار الى مواطن الخلل ، بل ان العكس هو الصحيح ، فالنتيجة هي زيادة ثقة المواطن بحكومته ، وزيادة انتمائه لوطنه وقيادته ، التي لا تتجاهل ذكائه ، وكلنا يعلم ان السياسة الاعلامية السابقة ، والتي كانت تنفي كل شيء غير مرغوب في حدوثه ، والتي كانت موضع التندر من المواطنين ، هذه السياسة قد ولت ، واصبحنا فعلا في عهد جديد ، عنوانه الشفافية التامة .
لم يكن ما قاله رئيس الوزراء امام النواب ، هو اول علامات الشفافية ، فقد بدت بوضوع مع رفع اسعار المشتقات النفطية ، ابان ازمة ارتفاع اسعار النفط قبل اشهر ، ثم ترافقت معها المصداقية ، عندما قررت الحكومة تخفيض اسعار هذه المشتقات انخفاضا غير متوقع ، مع انخفاض اسعار النفط ، وكان ذلك موضع التقدير من كل فئات المواطنين ، اللهم الا من تعود ان ينظر الى وطنه نظرة تشاؤمية ، يتوهم ان هذه هي الغيرة الوطنية ، بان تهاجم بلدك دوما ، وتتذمر من كل شيء ، دون ان يلتفت هذا المشكك الدائم الى ما حوله ، ليجد اهم ايجابية اضافية ينعم بها الشعب الاردني ، الامن والاستقرار ، واحترام انسانية المواطن وحقوقه ، فما ابلغ ما قاله مدير المخابرات العامة ، حين رد على احد النواب المحرض له على الشعب ، لقد قال ان في الاردن مخابرات دولة لا دولة مخابرات ، فلو قال هذه العبارة ماركس او لينين ، لاصبحت شعارا لكل شيوعي العالم ، تماما مثل شعار ، يا عمال العالم اتحدوا .
ان من الواجب ان نقف وندعم كل موقف للحكومة ، يؤكد على ممارسة الديمقراطية ، ويعبر عن الاحترام لحقوق الانسان المواطن ، وتضيء الشمس فيه كل الزوايا المعتمة في وطننا ، لنعرف بوضوح كل الخفايا ، فلا يبقى هناك مكان للميكروبات والفيروسات ، الا وعقمناه ، بالصراحة والوضوح والثقة والعزم وتعاون كل مكونات الدولة .
مواقف الحكومة التي تنهض بالوطن والمواطن ، تستحق الاشادة من القوى والاحزاب المعارضة ، فلا يجب ان تبقى معارضة دائمة ، لا تتحدث الا بالاعتراض على موقف ما ، اما المواقف الايجابية فتصمت ازاءها ، ان من واجب هذه القوى والاحزاب ، ان تصدر البيانات التي تشيد بتخفيض اسعار المحروقات ، وبوضوح وجرأة تصريحات رئيس الوزراء امام النواب بالامس ، تماما مثلما كانت تصدر البيانات التي تطالب بدعم المحروقات وعدم رفع اسعارها ، وكما كانت تطالب بمناسبة وبدون مناسبة بالغاء اتفاقية وادي عربة ، وطرد السفير الاسرائيلي ، وقطع العلاقات مع اسرائيل ، وكأن في ذلك تحرير لفلسطين من النهر الى البحر .
نأمل ان تنسحب هذه الصراحة وهذه الشفافية ، الى كل قضايا الوطن ، وخاصة قضايا الفساد ، التي تؤرق كل غيور على تراب الاردن الحبيب ، حتى يعي الجميع حجم المسؤوليات وحجم الايجابيات ، ونحقق الانتماء الحقيقي للوطن ، هذا الانتماء الذي طالما كان كلمات خطابية او غنائية جوفاء ، لكنه الآن اصبح حقيقة نفخر بها .
m_nasrawin@yahoo.com