الانتخابات الطلابيّة و .. الأولويّات الجامعيّة !
عبد الله ابورمان
23-12-2008 02:59 AM
نتائج انتخابات طلبة الجامعة الأردنيّة، تبشر بإمكانيّة تجاوز الصِيَغ التي طرأت خلال السنوات الماضية على المشهد الجامعي الأردني، وخالها البعض قد استعصت على أي حلّ. و لعلّ الاهتمام الكبير الذي أبداه محللون وإعلاميّون بدلالات المشهد ومعانيه؛ دليل صريح على الحماس للتغيير، و البحث عن حلول جدّيّة لوقف حالة لتدهور في سلوكيّات وتعبيرات الطلاب الجامعيين، والتي ظهرت على شكل صور من العنف الطلابي والانقسامات المؤسفة..
هذه الحقيقة، لا تنفي حقيقة أخرى، أهمّ وأكثر أولويّة، تتعلق بالواقع الأكاديمي، العلمي، للجامعات.. وهو الواقع الذي شهد، أيضا، تراجعا ملفتا، وشكل تحدّيا، حقيقيّا، لا يقلّ أهمّيّة، بأي حال من الأحوال، عن قضايا التمثيل الطلابي، والانتخابات واللجان وما إلى ذلك، من مسائل تبدو كلها أقل أثرا، إذا ما قيست بالبعد العلمي، والدور الأبرز للجامعات، خصوصا مع تزايد الحديث، وارتفاع وتيرته، حول مستوى التحصيل الأكاديمي ونوعيّته، لدى الخريجين، ومدى ملاءمة أساليب التدريس في جامعاتنا، وانسجامها مع منطق البحث العلمي واحتياجاته.. مع حديث آخر لا يقلّ سخونة، عن الأساتذة الجامعيين أنفسهم، و أسس الترفيع، و غيرها من قضايا بالغة الحساسيّة، فضلا عن المسائل التي تتعلق باتجاهات الدراسة وضرورة إعادة النظر ببعض التخصّصات، و مسألة الدور التنموي للجامعات، و قضايا المواءمة مع احتياجات سوق العمل، والكثير الكثير ممّا تصدّر للحديث فيه، خبراء وأساتذة أكاديميّون معتبرون! لقد بادر سيّد البلد، بنفسه، و أكثر من مرّة، للحديث في قضايا التعليم العالي في الأردن، والدخول بحوارات مباشرة مع الطلاب والأساتذة والخبراء المعنيين في هذا المجال، بحثا عن حلول جذريّة، قادرة على وضع حدّ مناسب للمزيد من التدهور في المشهد الجامعي؛ بشقيه: الأوّل، والمتمثل بالجانب الأكاديمي، و واقع البحث العلمي.. و الثاني، المرتبط بقضايا الرأي والمشاركة والأنشطة الطلابيّة.
وهذا التحدّي، بتداخلاته العديدة، لا يدعو لليأس؛ فالإرادة السياسيّة، وهي العنصر الأهم، متوفرة، بل وضاغطة، باتجاه القيام بإجراءات مهمّة وضروريّة لتحسين شروط الجامعات وإسهاماتها. و المطلوب، من رؤساء الجامعات ومجالسها ومجالس العمداء، هو المزيد من الجهد والتخطيط و الإجراءات.. و الحلول، في هذا السياق موجودة، وليست بحاجة لاكتشاف جديد، أو اختراع، وثمّة تجارب عالميّة عديدة، يمكن قراءتها، ودراسة إمكانيّات الاستفادة منها، في ضوء خصوصيّة جامعاتنا والأدوار المطلوبة منها..
والحقيقة، هنا، والتي لا مجال للمجاملة فيها؛ هي في كون التصدّي للجانب الأسهل في المسألة، وتحقيق نجاح نسبي فيه؛ لا يعني أبدا أن المشكلة انتهت، وأن أوضاع جامعاتنا على خير ما يرام.. و لا بدّ من جهد أكبر وأكثر جرأة و كلفة، لمجابهة الجانب الأصعب، والذي يمثل أولويّة قصوى، و ليس مسموحا أبدا تجاهله أو استسهاله، أو حتى إعطاء الأولويّة، لأي بعد آخر على حسابه! الجامعات الأردنيّة، ودورها على صعيد البحث العلمي و إسهاماتها التنمويّة و بُعدها التنويري، ومدى قدرتها على فرض قِيَمها على الأساتذة والطلاب، على حدّ سواء.. كلّ هذه مسائل أولويّة، لا يحلها أبدا تحسين صورة التمثيل الطلابي؛ وإذا كانت إدارة الجامعة الأردنيّة، مشكورة، قد ساهمت بالتصدّي للمشكلة الأسهل؛ فإن المطلوب، أساسا، هو أن لا يتمّ التوقف عند هذا الإنجاز النسبي، ولكن البدء، فورا، بمعالجة القضايا الملحّة، وذات الأولويّة القصوى، بنفس الحماسة والاندفاع.
abdromman@yahoo.com
الراي.