ثمة طريق تربط ما بين قرى " المسّرات" جارات " العالوك " وما بين "إسعيدة" (الهاشمية لاحقا) ، كخيط حرير يحيكُ ويرتقُ قرى الزرقاء الغربية بشرقها ، ذاك الطريق الذي خطّها الناس رغم وعورتها وهم يرتادونها سيرا على أقدامهم أو محمولين على الدواب ، ينقلون ما تيّسر من تجارة الحطب والحليب ويعودون وقد ملأوا جيوب "الخرج" بحاجيات مشتراه لا يجدونها في بساتين ومروج القرية .
عادة تكون السروة مع الفجر ، يعبر الذاهبون سناسل القرية نحو " صروت " إلى " الحوايا " ثم ينزلون مسيل الماء ما بين التلال والأودية إلى " عين أبو خشيبة" حتى يصلوا إلى " سيل الزرقاء" .. وهناك من يتجه إلى " السّحارة " التي تغفو على كتف " وادي الطبل" ، ثم يقطعون" سيل الزرقاء" الذي كانت ترتفع مياهه حتى يكاد بصعوبه أن تجتازه ، وهناك يقف القصّيب مع الشجر على حواف السّيل ويشكّلان صفّين من الحرس ، ثم يمرّون من "طواحين عدوان " حارسة السيل هي و"خريسان " حيث ينام (فيلها ) في خيال الأطفال ويظل مستيقظا في حكايات المساء ، ثم يصعدون نحو تلال "المطوّق" وعيون " القنيّة" حيث تنتصب قبور (الدولمن ) كمآذن صامتة ، تشرف على المارين نحو " الحصب" ومراعيها حتى تطلّ على "ودعة" وعلى بساتين وكروم "غريسا " وبيادر " المضينيّة" ... أو ربما ينعطفون جنوبا نحو " حسيّة " و عين "السخنة " ويسلّمون على رعيان " الشيشان " هناك وهم يسقون أبقارهم .
كان الناس مخيّرين في شراء حاجاتهم وفي تنقلهم نحو المدينة إما الذهاب شرقا إلى الزرقاء ، أو غربا نحو جرش وزيارة أسواقها وتجارها من " الشوام " و" العقدات " ، يصعدوا إلى " المصطبة " مرورا "بجبّة" ، أو يذهبون نحو عمّان لإكمال معاملة في دوائر الحكومة ، مرورا " بالمنط" نحو " مرصع " وإنتهاءا بطريق " البقعة " ثم " صويلح " ... هكذا كانت العالوك والمسرّات تتوسط المدن كالقلب ، تارة يتبعونها لجرش وتارة إلى الزرقاء حتى إستقرّت مع الاخيرة في بداية الثمانينات عندما تم فصل لواء الزرقاء عن محافظة العاصمة وتم إنشاء محافظة الزرقاء .
كلما مررتُ بهذه الدروب والأماكن ، تذكرتُ أبناء ذاك الجيل الطيب من جدودنا وآبائنا من عاشوا شظف الحياة وكيف تعبوا وكدّوا ، وحافظوا على الأراضي والبساتين والمروج من البيع .. ذهبوا ولم يبق إلا ذكرهم الطيب .. فسلام عليهم وعلى من حافظ إرثهم .