اعادة ترتيب الاولويات التربوية
فيصل تايه
29-06-2017 11:56 PM
كنا دائما نأمل ان تصل وزارة التربية والتعليم الى الجودة الشاملة في التعليم والتي تفرضها الضرورات الحتمية، سيرا بخطوات جادة نحو مشوار التحديث والتطوير الذي يحتاج للأفكار التربوية التنويرية العميقة التي تلبي طموحاتنا وتعيد ترتيب اولوياتها وترتقي باستراتيجيات الاداء الفعالة لتصلح من شأن منطومتنا التعليمية وتحدد مكامن القوة والضعف في بنائها المؤسسي، مع اهمية ان يلبي تلك الحاجات وبما يتواءم مع الواقع المتعطش للغير والتطوير والتحديث تلبية لروح العصر .
والاهم من هذا كله .. ان تعيد ترتيب اولوياتها وحساباتها الموجهة للعمل وذلك بإعادة صياغات جديدة ومتطورة مواكبة للضرورات والتحديات التي نعيشها في الالفية الثالثة ومتطلباتها الحديثة خاصة المتعلقة منها بالمناصب التربوية القيادية المتمرسة القادرة على العمل الايجابي والعطاء والإبداع ، مع الاهتمام بالكوادر التربوية المعدة اعداداً علمياً وتربوياً جيداً ، لذلك نأمل بهيكلة مناصبية حديثة قائمة على أسس ادارية تربوية حضارية عادلة تعتمد على سياسة الرجل المناسب في المكان المناسب ، بعيداً عن كل الاعتبارات ، وبعيدا عن اية تداخلات وتجاوزات في شؤون التعليم من اية جهة كانت ، كذلك لابد من وضع ضوابط وشروط ومعايير محددة تضبط عملية اصدار القرارات بعيدا عن الفوضوية والاختلالات التي تنعكس على الميدان التربوي ، وتؤدي الى خلق صراعات كيدية بين الكوادر التربوية المؤهلة المبدعة والكوادر الممتهنة للمهنة ، وهذا راجع الى خلط الأوراق التعليمية بالأوراق المحسوبية ، لتندثر الحقائق وتطفو الأباطيل ، من هنا ندرك مدى خطورة تلك الاوراق على مسار التعليم ومخرجاته ، وفي ظهور اختلالات في القيادية التربوية التي سارعت وسعت وراء مصالحها على حساب المصلحة العليا ، ولنا ان نتساءل عن بعض تلك الاختلالات الموجودة في مفاصل تلك المناصب دون مماحكات او ترهات ، او حتى اية مكايدات ..
اننا في الاردن وكما اشار لذلك سيد البلاد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين في الورقة النقاشية السابعة الى النهضة التربوية وبناء القدرات البشرية يحتاج لرجالات تربية حقيقيين ، من ذلك النوع الذي يضع خططاً وبرامجَ ورؤىً من شأنها النهوض الحقيقي بالقطاع التربوي وتقدمه ورفعته ، وليسوا كأولئك الذين يعتبرون مناصبهم الرفيعة فرصة ذهبية ومؤقتة لمزيد من الامتيازات والنفوذ ، فقطاع التعليم بالذات يجب أن يكون من أهم اولوياتنا ويحظى باهتمام رسميّ لا متناهي ، فهو المصحّة التي تداوي تشوّهات المجتمع ، وهو المصنع الذي ينتج كفاءات المستقبل الحقيقية وليست الشكليّـة التي ملأت جامعاتنا وأسقطت مكانتها وسمعتها سنة تلو سنة ..
لكن .. المشكلة ليست في النظام التعليمي وحده بل في المنظومة الإدارية التي تقود العمل التربوي وتوجهه نحو مساراته الصحيحة بشكل عام ، حيث ما زلنا نسير فيها بالتمحور حول المركزية المكبلة للعطاء والابداع ، والتي تنمي المزاجية والاستبداد والتسلط وتقودنا نحو السلبية والفشل والصراعات ، وغيرها من الأمراض التي تعقد طريق الإصلاح الإداري للأنظمتنا التربوية وتبتعد عن الديمقراطية والاصلاح ، فمن الضرورة بمكان ان نعيد ترتيب اولوياتنا التربوية وفق واقع تجربتنا الميدانية حيث ان قطاع التعليم يستند لأمرين رئيسيين ، المعلم والمنهاج ، وكلما كان المعلم أكثر استقراراً ورفاهية من خلال اتخاذ قرارات ايجابية من الفاعلين التربويين والمسؤولين كلما انعكس ذلك على عطاءه وتفانيه في أداء رسالته على أكمل وجه ، وكذلك المنهاج المواكب للمتغيرات العلمية والتكنولوجية التي يشهدها عالمنا اليوم ، لذلك فان مسؤولية الدولة التي تؤمن في اختيار قيادات مؤهلة لها دور قيادي مؤثر ، وأن تستثمر في المعلم كمشروع وطني طويل المدى لا غنى عنه وان تهيئ له كوادر تربوية موجهه للعمل بشكل يمكنه من اداء رساله بكل همة ومسؤولية وان تختار المنهاج الدراسي الفاعل المعد للغاية والذي يحقق الاهداف المرجوة ..
يجب ترتيب اولوياتنا المتعلقة بالبحث والتدريب والتأهيل التربوي فكفانا مؤتمرات ودورات وورش عمل ومشاريع متعددة ومتزاحمة ومكرورة وتنفيعية ، اصبحت لا تسمن ولا تغني من جوع ، تنفذ بدون تنسيق من الجهات المسؤولة فيما بينها وكل منها له اتجاهاته واهدافه ونتاجاته المغايرة للأخرى لتجعل الميدان مهدا للتجارب لتنفيذ برامج من خلال مؤسسات وهيئات دوليه داعمة وممولة ، وموكولة لأقسام في الوزارة بحاجة منها فهما حقيقيا وواضحا للأهداف والمرامي الانسانية والتربوية التي جاءت من اجلها تلك البرامج ، مع ضرورة توجيهها توجيها صحيحا للفئات المستهدفة والمستحقة ، اضافة الى أهمية تقصي لأثرها على المدى القريب والبعيد ومدى تحقيقها لأهدافها المأمولة ..
انا بحاجة بالفعل لإعادة ترتيب اولوياتنا التربوية وهندسة منظومتنا التعليمية بالكامل من جديد واعادة قراءة واقعنا اولا بفكر تنويري فذ ، تمشيا مع لغة العصر والتكنولوجيا الحديثة والتقنيات والمهارات اللازمة من التواصل والعمل المهني والتقني والتفكير الابداعي والتحليل المنطقي والفهم والمقاربة الموضوعية ، ولعل الجهود التي تبذل مع التربويين في الميدان واشراكهم في صياغة القرارات المستقبلية الهامة ، يضخ الحماس في نفوس الرجال ذوى الهمة العالية ويجدد التفكير الهادف الملتزم نحو الوطن ويشحذ الهمم المتوارية ويسلط الضوء من جديد نحو قضية هامه وهى اساس بناء الاردن الحديث من اجل المستقبل للوصول الى طموح جلالة الملك في الدولة المدنية دولة المؤسسات والقانون التي يسعى جلالته لها ...
تحية احترام واسعة لتلك الفئة من الشرفاء في قطاع التربية والتعليم الذين يهمهم اعادة ترتيب اولوياتنا التربوية وفق رؤى وطنية تحدث عنها معالي وزير التربية والتعليم د. عمر الرزاز عدة مرات بهدوء وترو وفق رؤى تربوية تنويرية تحقق الطموحات المستمدة من منظومة القيم الاصيلة والمستوحاة من عقيدتنا وموروثنا الثقافي والتاريخي العتيد ، وهم الذين ما زالوا يقبضون على جمرة مبادئهم السامية تحقيقا لرفعة الاردن واستجابة للدعوات الملكية لغايات مساهمة الجميع في تطوير التعليم عاجلا لا آجلا، والاستثمار في القوى البشرية الذي يعتبرونه الاستثمار الانجح والاكثر ديمومة من اي استثمار كان ..