من المعروف ان الانتاج الدرامي التلفزيوني الأردني قد تراجع كثيراً، من الناحية الكمية - ولا أعني المستوى بالضرورة ـ خلال العقدين الأخيرين، وإن أردنا تحديداً أكثر، منذ حرب الخليج الثانية وكنتيجة لمترتباتها وتداعياتها.
والحديث هنا في النطاق النسبي الذي يقبل الأخذ والرد، أي ان هذا التراجع يقاس نسبة الى ما عليه انتاجنا الدرامي خلال السبعينيات والثمانينيات، حيث كانت الدراما الأردنية تحتل مساحة واسعة من شاشات المحطات التلفزيونية العربية، وتستقطب جمهور المشاهدين أضعاف ما تستقطبه اليوم وهي ظاهرة لا بد ان تبعث الشعور بالأسف ولكن لحسن الحظ، فقد خففت ظواهر ايجابية اخرى من حجم الخسارة الفنية وذلك حين ننظر الى العنصر البشري في الأعمال الرئيسية التي عرضت في السنوات الأخيرة لنجد أن الحضور الأردني وبخاصة في التمثيل، بات الآن يمثل رقماً صعباً، يصعب تجاوزه أو تجاهل حجمه.
ويكفي هنا ان نشير الى أربعة من نجوم الدراما الأردنية بات حضور احدهم في اي عمل، عنصرا من عناصر نجاح هذا العمل او إخفاقه، وهؤلاء، هم إياد نصار، منذر الرياحنه ، ياسر المصري و صبا مبارك، وغيرهم من "النجوم" "والنجمات" ممن رفدت بهم الساحة الفنية في الأردن والدراما العربية.
أكتب هذا الكلام بمناسبة الأداء الحرفي الرفيع الذي قدمه ياسر المصري بتجسيده شخصية جمال عبد الناصر في مسلسل "الجماعة 2" الذي تذيعه عدد كبير من المحطات التلفزيونية العربية في رمضان الحالي. بداية فإن تجسيد شخصية، تعيش في قلوب كثيرين، وتسكن ملامحها وحركاتها وهيئتها مخيلات الملايين ممن عاصروا الرجل أو لم يعاصروه، تجسيد شخصية كهذه، يحتاج من الممثل الى قدر كبير من الموهبة والامكانات الأدائية، وقدر أكبر من المجازفة، فإن المشاهد لهذه الشخصية يجسدها أمامه ممثل ما، مهما علت مواهبة، فلا بد أن يكون أسيراً لنوع من المقارنة، لا بين الممثل والشخصية التي يقوم بدورها فحسب، بل بين الممثل الذي أمامه وغيره من الممثلين ممن قاموا بهذا الدور، وهنا لا بد أن نحضر الى الذاكرة الأداء العبقري لأحمد زكي، إضافة الى أداء آخرين أمثال، رياض الخولي وخالد الصاوي ومجدي كامل وجمال سليمان.
ليس الهدف إجراء مقارنة تفضيلية بل إظهار حجم التحدي الذي واجهه ياسر المصري في تصديه لهذا الدور، وأعتقد أنه كان في مستوى هذا التحدي.
استطاع ياسر أن يستحضر أمام المشاهد ما تنطوي عليه شخصية جمال عبد الناصر من كثافة سيكولوجية تجمع بين الحرب على المحيطين والحذر من خصومه، وهي مهمة في غاية الصعوبة أن تعطي جوارح الوجه السمة وضدها في الوقت نفسه. وقد استخدم ياسر المصري نظراته وحركات وجهه استخداماً بارعاً ومقنعاً.
كما أن طريقة الكلام، رغم تحديات اللهجة، والوقفات والسكنات وإيقاع الصوت مضافاً الى ذلك الهيئة الجسدية اسهمت الى حد كبير في استحضار اهم سمة في شخصية عبد الناصر، الكاريزما او توهج الحضور، وعزز هذه السمة وعمقها ما يمكن ان تكون عليه شخصية ياسر المصري - في الأصل - من جدية ورصانة وصرامة.
على أن مكانة الممثل لا يمكن ان تستكمل أبعادها في أدائها لشخصيات المشهورين فحسب ولا شك في أن الأدوار القادمة التي يمكن ان يحظى بها، او تحظى به، سيان، شخصية ياسر المصري، ستحمل لنا المزيد من الإبداع والإقناع بأننا أمام موهبة حقيقية.
منتج وموزع سنيمائي وتلفزيوني، رئيس اتحاد المنتجين الاردنيين