المسألة الدستورية ذات الأولوية
أ.د نفيس مدانات
29-06-2017 02:00 AM
إن المسألة الدستورية ذات الأولوية توجد في الفقرة الثانية من المادة (60) من الدستور الأردني الصادر عام 1952 والمعدل بعام (2011). فما هو معنى ذلك؟ ذلك يعني الحق المعترف به لكل شخص والذي هو طرف في دعوى أو قضية بأن يدفع بأن نصاً تشريعياً يعتدي على الحقوق والحريات المعترف بها بالدستور إذا كانت شروط هذا الدفع متوفرة، عندها يعود للقضاء الإداري ومحكمة التمييز مراجعة المحكمة الدستورية التي إن وجدت الدفع محقاً تقوم بإلغاء هذا النص التشريعي.
وهكذا تنص فقره (2) من م/60: -
في الدعوى المنظورة أمام المحاكم يجوز لأي من أطراف الدعوى إثارة الدفع بعدم الدستورية وعلى المحكمة إن وجدت أن الدفع جدياً تُحيله إلى المحكمة التي يُحددها القانون لغايات البت في أمر إحالته إلى المحكمة الدستورية.
وهناك اثني عشر سؤالاً للإجابة عليها حول الفقرة (2) م/60 من الدستور الأردني :-
• ما هو المقصود بنص تشريعي ؟
إن المقصود به نصاً كان قد تبناه من بيده السلطة التشريعية ، وهذا بشكل أساسي نصاً قد صورت عليه البرلمان ( القانون الشكلي ، القانون المؤقت الذي قد صوت عليه البرلمان ) أما الأنظمة الموضوعة مع القانون البرلماني في المادة (59) فلا يجوز أن تبقى هناك ، لأنه لم يصوّت عليها البرلمان ، فهي عمل السلطة الإدارية ، وكذلك القرارات الفردية ، فرقابة توافقها مع الدستور تعود للقضاء الإداري .
• ما هو المقصود بالحقوق و الحريات المُعترف بها بالدستور ؟
إن الحقوق والحريات المعترف بها بالدستور و التي يضمنها هي تلك التي تظهر بالدستور، وكذلك الميثاق الوطني الأردني لعام 1989 ، والذي لغاية الآن لم يتم تفعيله ، وكان بالأولى أن يُعالج هذه المسألة تعديل عام 2011 ، بمقدمه تنص على النحو التالي (( إن الشعب الأردني يعلن بتعظيم تمسكه بحقوق الإنسان ومبادئ السيادة الوطنية كما تم تأكيدها بالميثاق الوطني الأردني لعام 1989 )) .
• لماذا سميت هذه المسألة بذات الأولوية ؟
لقد سميت بذات الأولوية أي أنه عندما يُثار الدفع أمام محكمة الدرجة الأولى أو أمام محكمة الاستئناف يجب أن يتم فحصه بدون تأخير ، كما أن وقت فحص المسألة الدستورية ذات الأولوية يجب أن يتحاوز الإجراءات العادية بدون تأخير .
• هل يجب توكيل محامي لطرح المسألة ذات الأولوية ؟
إن قواعد العرض ، من أجل طرح المسألة ذات الأولوية الدستورية ، تخضع لقواعد التطبيق أمام القضاء التي تمت مراجعته بالدعوى ، أمام القضاء حيث التقديم من خلال محامي هو إلزامي ، فالمسألة الدستورية ذات الأولوية لا يمكن تقديمها إلا من خلال محامي .
و بالمقابل ، أمام القضاء الذي يستطيع الشخص أن يضمن دفاعه بنفسه من دون محامي، فإنه بالإمكان أن يطرح بنفسه المسألة الدستورية ذات الأولوية .
انتباه :- إن المسألة الدستورية ذات الأولوية يجب دائماً أن تكون هدفاً للكتابة متميزة أو معلله حتى أمام القضاء حيث تكون الإجراءات شفهيه .
• متى يكون بالإمكان طرح المسألة الدستورية ذات الأولوية ؟
إن المسألة الدستورية ذات الأولوية بالإمكان طرحها أثناء كل دعوى أمام قضاء إما إداري أو قضاء يتبع محكمة التمييز . فبالإمكان طرحها، إما أمام محكمة الدرجة الأولى أو أمام محكمة الاستئناف، وحتى أمام محكمة التمييز نفسها.
• ما هي الشروط التي بموجبها بالإمكان طرح المسألة الدستورية ذات الأولوية ؟
أمام كل درجة من درجات القضاء الإداري أو أمام كل درجة من درجات القضاء المدني الذي يتبع محكمة التمييز بالإمكان عرض المسألة الدستورية ذات الأولوية، ومع ذلك، في الأمور الجزائية، فالمسألة بالإمكان عرضها قبل أو بعد تدخل قاضي التحقيق بمناسبة استئناف أو العرض أمام التمييز.
• هل بإمكان الشخص مراجعة المحكمة الدستورية مباشرة ؟
و الجواب هو كلاّ ، إن المسألة الدستورية ذات الأولوية من الواجب طرحها أثناء دعوى ، والقضاء الذي تمت مراجعته بالدعوى أو المسألة هو الذي يقوم بدون أي تأخير ويجري الفحص الأولي .
و القضاء يقوم بفحص المسألة فيما إذا كانت مقبولة وأن المعايير المحددة بالقانون مجتمعة.
فإذا كانت هذه المعايير موجوده ، فإن القضاء التي تمت مراجعته يرسل المسألة الدستورية ذات الأولوية إلى القضاء الأعلى فالأعلى إلى أن تصل للمحكمة الدستورية ، بعد أن يقوم القضاء الإداري الأعلى أو محكمة التمييز بفحص معمقاً لها .
• ماهي المعايير كي يصبح بالإمكان مراجعة المحكمة الدستورية ؟
أ) يجب أن يكون النص المطعون بعدم دستوريته واجب التطبيق على موضوع الدعوى أو على الإجراءات أو يُشكل أساساً للملاحقة الجزائية .
ب) أن لا تكون المحكمة الدستورية قد سبق وأعلنت أن هذا النص موافقاً للدستور .
ج ) أن يكون السؤال جديداً وله الصفة الجدية .
هذا ما يستشّف من نصوص قانون المحكمة الدستورية الأردنية رقم (15) لسنة 2012، المادة (11) الفقرات ( ب، ج(1) ) .
• هل بالإمكان الطعن برفض المحكمة الإحالة إلى المحكمة الدستورية ؟
إن الرفض من قبل قضاء الدرجة الأولى أو محكمة الاستئناف بإحالة المسألة الدستورية ذات الأولوية لا ينمكن الاحتجاج عليه إلا بمناسبة دعوى ( استئناف أو تمييز ) في مواجهة الحكم الصادر بالأساس من قبل المحكمة التي تمت مراجعتها ( ج(1) .
• كيف تسير الإجراءات أمام المحكمة الدستورية ؟
يجب على المحكمة الدستورية أن تفصل في الطعن أي في المسألة الدستورية ذات الأولوية خال مدة لا تتجاوز مائه وعشرين يوماً ( م/10/ب) ، والمادة (12) تتحدث عن تقديم المذكرات عن طرق محامٍ .
أليس من الأفضل أن يكون ارسال المذكرات عن الطريق الإلكتروني اختصاراً للوقت بموجب عنوان يُقدم بهذه الطريقة أمام قاضي الأساس أو أمام أعلى درجة من القضاء الإداري أو أمام محكمة التمييز .
• ما هي نتائج قرار المحكمة الدستورية ؟
إذا أعلنت المحكمة الدستورية بأن النص المطعون بعدم دستوريته هو متوافق مع الدستور ، فإن هذا النص يحتفظ بمكانته في النظام القانوني الداخلي ، ويتوجب على القضاء تطبيقه إلا إذا كان غير متوافقاً مع نص في معاهدة دوليه ( حسب اجتهاد محكمة التمييز الأردنية ) . أما إذا أعلنت المحكمة الدستورية أن النص مُخالفاً للدستور ، فإن ذلك يُؤدي إلى إلغاءه ، ويختفي النص من النظام القانوني الأردني .
• متى يدخل في العمل قانون المحكمة الدستورية الأردنية ؟
حسب المادة (1) من قانون المحكمة الدستورية رقم(15) لسنة 2012 يعمل بهذا القانون بعد مرور مائة عشرين يوماً على نشره في الجريدة الرسمية .
في الحقيقة هناك ثلاثة شروط تسمح لحقوق الإنسان بالتمتع بنظام قانوني هي :-
الأول :- وهو ذو طبيعة سياسية ، إذ أن تسجيل حقوق الإنسان في القانون الوضعي يتم بوجود دولة الحق ، ودولة الحق هذه لا يمكنها أن تضمن فعالية نظامها الحقوق إلا إذا كان مواطنوها قد قرروا مصيرهم بحريّة تامه ، وكان هناك تمييزاً بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية .
الثاني :- ذو طبيعة قانونية ،وهو إعداد إطار قانوني محدد ومضمون يسمح بتسجيل الحقوق المعترف بها وضمانها ، وهذا الإطار ينبع في الحقيقة من وجود توازن بين السلطة السياسية وحريّة الأشخاص .
الثالث :- أو يتعلق بالضمانات الداخلية التي تعني أن يكون لدى أصحاب الحقوق والحريات الوسائل التي تكفل حمايتها وتسمح في الوقت نفسه ، بمعاقبة حالات خرقها .
في الحقيقة أن النص على الحقوق السياسية و الاقتصادية في صلب الدستور الذي هو قمّة التسلسل الهرمي للقواعد القانونية ، يعني إعطاءها مكانه رفيعة ، فالدستور إذن وليس القانون هو الذي يضمن تقرير الحقوق الأساسية في القانون الوضعي واثباتها .
في الحقيقة إن دستور المملكة الأردنية الهاشمية لعام 1952 بعد تعديل عام (2011) يُقدم مثالاً جيداً للنظام القانوني الأردني ، فقد أنشأ هيئة قضائية هي المحكمة الدستورية لتُراقب توافق القانون مع الدستور ، كما قد أعطى لأصحاب الحقوق و الحريات المضمونة بالدستور الوسيلة التي تكفل حمايتها وتسمح بالوقت نفسه بمعاقبة حالات خرقها .
و في السابق لم يكن هذا الحق موجوداً للإنسان الأردني ، إذ أن محكمتنا الدستورية السابقة ( المجلس العالي لتفسير الدستور ) كانت صلاحيته مُقتصرة على تفسير الدستور التي من خلالها منع السلطتين التشريعية و التنفيذية أن تعتدي إحداهما على اختصاص الأخرى .
يُضاف إلى ذلك كله أن الاتصال العضوي بين المحاكم المدنية و محكمة العدل العليا مع المجلس العالي لتفسير الدستور كان مقطوعاً .
وفي هذه الأثناء وبمبادرة رائعة من جانب القضاء ( مشكوراً عليها ) ستبقى الأجيال تذكرها على مر الأيام أنبرى للدفاع عن الحقوق والحريات مُعتبراً هذه المسألة م النظام العام يُثيرها من تلقاء نفسه لما لم يكن المواطن الأردني يملك حق الدفع بعدم دستوريته نص قانوني يعتدي على حقوقه وحرياته المضمونة بالدستور .