رغم اني ممثلة ضمن العمل لكنني لم استطع أن انسى أنني متخصصة في نقد فلسفة الفنون ولا يسعني الا ان اكتب عن المبدع رشيد ملحس في دور متعب في مسلسل "شوق"... تلك الشخصية المقلقة والمزعجة والاستثنائية التي ظهرت من خلال بناء سردي مركب يطرح أسئلة إنسانية مع عناية مذهلة بالتفاصيل ووصول صنعة السرد الى ذروتها حيث نقلت معركة الحياة ومسؤوليتها إلى داخل الفرد الوحيد المنعزل، إنني اعبر عن اعجابي بالجدية التي يتعامل بها الفنان "رشيد ملحس" مع اعماله وموضوعاته، ودراسته لأدق تفصيلاتها ومحاولاته في أن يكون اي دور جديد مغامرة جديدة بالنسبة له يجمع خلالها بين النظرة الذاتية والرؤية الإنسانية الواسعة والثقافة الشاملة ليصنع أمواجا من الدهشة ويجعل للكلمات ألوانا ، وهذا طبعا نابع من وعي الفنان "رشيد ملحس" ومن ثقافته الفنية والانسانية، فشخصية متعب او بدر تجسيدٌ لوجع إنساني ولكائن وحيد مشى وراء جشع قلبه فحصد الخيبة واعتقد أن براعة رشيد في تفكيك الدور ساعد في الفهم العميق للتضاريس ولتعقيدات الشخصية، فحتى الضحكة كانت لمعة مسروقة من خلف حوائط حزنه ، اذ يطلب النوم فتصهل الأحلام الموجعة في روحه المعذبة... مما جعل المشاهد شريكا في التأمل واستكمال الصورة والتفاعل معها كما منح الأحداث تلوينا مستمرا بين خليط من العواطف وادى ذلك الى منح البناء لدرامي حيوية وثراء يتفق تماما مع مغزى القصة ورؤية المخرج المتميز محمد لطفي عن ذلك الأنسان الأكثر تعقيدا مما نظن والقادر على الصعود إلى السماء أو الهبوط إلى الوحل ، انها ترجمة لتناقضات البشر في حال سطوة الأقدار أو عندما يختارون بملء الإرادة الإنسان الذي لا يفرق بين الروح والجسد ,وأعتقد ان المخرج قد نجح بذكاء في صناعة بطل يحمل كل هذا الشر ذي الطراز الرفيع ونجح الكاتب محمد لبطوش وبحبكة درامية رائعة في أن يجسد التقاء عدة شخصيات بالصدفة لتتقاطع مصائرها ولتبدأ الفضفضة وهنا تتصاعد الاحداث للوصول للذروة. وهذا يرجع إلى خصوصية تجربته ومدى تمكنه من أدواته كفنان يحمل كل هذا النضج والعمق وبراعة التحليل، ولذا كان لابد ان يستحق هذا الجهد وذلك الطموح كل الاحترام مهما كانت الملاحظات ومهما تعددت الرؤى ووجهات النظر.