في هذا الوطن يعلو بك صدح المكان يماماً تاق إلى رائحة الطين والخلق الأول.. ويوقظ ذكريات تتجمهر جذلة على المدى المترامي فوق السماء الأردنية.. تأخذك فيها قصة البدايات.. ومفردات قواميس الأزمنة التي سلّمت نفسها سنامَ المجدً.. لتهيم عشقاً في بوح القطا والسنونو وعن امتشاق الوطن تلاوين المواسم وبهائها.. فجالت قروناً تتقلب الحضارات واللغات والشعوب كما الحجيج على عتباتها..
إنها سيرة وطن ما خبا وهج ألقه.. مرايا تنسكب لجينا تَفْتَرُّ عن ثغر باسم.. يستعصي الكلام عن وصف وارف الخمائل المفروشة رياحين وزنابق .. وعن دفقة الشهد الشذًيًّ.. وانتشاء افتراش الروابي.. ففي ربوعه لم يتأود العود.. ولم يُرْدي غُصْنَهُ اشتياق لندىً.. فعندما رشَّت الشمس ضياءها فوق سهوله.. ارتشف السهل السنا.. وأصبحت شمسه تختصر الدروب توقاً للإياب.. لينتشر في مفارقه رحيق الأزاهير.. وأنفاس الخزامى .. وبهاء النرجس.. ونشوان الرؤى.. وندى الشمائل.
الكلام عن مسيرة العطاء عالم من الدهشة والجلال.. يغمرك بسناء الحميمية الآسرة.. وبالحضور المجلي للمواقف التاريخية التي يطرزها المجد في فضاءات الوطن والعروبة وفي ملاحم الكدح والبناء.. وفي مدائن صارت مضاءة سحرا وبهاء.. تقص حكايا الألق والإنجاز أنهار ضوء على امتداد الوطن.. وكأنما عروشها حبق يتدانى.. وكأن الذي بين سيرته أطال الله عمره وبين حجارتها وعد تلاقْ وبداهة مصير.. وحنين إلى مدن الشمس والعلم والرفاه والغد الموعود.. فعبدالله فينا سيد المدى.. دليل الركب وحاديه يتسلل الفجر إلى قافلته وهي تغذ السير روحة وجيئة بين الشمال والجنوب وكل أصقاع الوطن.. ومن حدّ الماء العربي إلى حدّه العربي.
يستفيق التاريخ أمام بوابة الزمن اليعربي في الأردن على شواهد الحق التي تحكم القبض على لحظة الدهشة.. وعلى تهطُّل قصص الذاكرة.. فينعتق عبق المكان شمما نحو الذرى.. وتستحق شمسه أن تتربع صدر السماء لتصخي السمع لصوت التاريخ في ذاك الحمى.. هناك حيث لا تحاصرك الجدر.. وتمنحك الصقور فن التحليق والإشراف.. ويغمس ذلك المدى كيانك بمسوح الوقار.. هناك فقط تعرف أن شعور الحرية والانعتاق يعني أن تكون أردني الهوى.. وأن ترتدي عباءة الحارث وعبدالله.. وأن تعبر كثبان الشك إلى اليقين.
في هذا الحمى لا تخونك الرؤى.. وتقطف من الأشياء بواكيرها.. ففي مرقى الصعود إلى ربوات المجد.. تختنق الحروف في الكلمات.. تنفلت لتعبر فوق الجسور العتيقة خيولا تصهل ساعة الفجر تنبئ باشتعال الضاد في قناديلها.. تلك التي أضاءتها جمار شرحبيل وخالد وعبدالله والحسين.. يوم تمرغت فيها قامات روما وصهيون.. وأضرمت لغة الأرض نارها في كل النهايات من واو وسين.
لك الألق .. وجميل الوعد وسوسنة الحلم .. وسلام عليك طال الزمان أم اختصرته الأقدار. سلامّ لهذه الأرض.. لأطفالها وعلى بيادرها، وسلام على تلالها الموسومة بالكبرياء والمتشح بالشموخ.