للذين عاشوا في دول العالم الصناعي تعتبر عبارة "معطل" او خارج الخدمة out of service مألوفة جدا، وهي أحد الاحتمالات التي قد تواجهك اذا ما حاولت التوجه لشراء بعض المأكولات او المشروبات من ماكنات البيع المنتشرة في الاماكن العامة او الحصول على خدمة من احدى نوافذ الخدمات الالكترونية والبنوك وغيرها.
يأتي وضع هذه العبارة بخط مقروء وبشكل لافت كمحاولة لإرشاد المستهلك ومتلقي الخدمة الى البحث عن منفذ آخر للخدمة التي يريدها ريثما يتم اصلاح الماكنة المعطلة او اعادة برمجة النافذة، او غيرها من الاجراءات الضرورية لاعادة الخدمة.
في كثير من المرات التي راجعت فيها مؤسسات حكومية وخاصة لدفع فواتير او لتجديد خدمة او للاستفسار عن مصير معاملة تأخر البت فيها لأشهر اضطر للطواف على معظم المكاتب وسؤال ارتال المراجعين عن كيفية بدء الاجراءات وعن اسماء الموظفين المخولين باستقبال المعاملة واتخاذ الاجراءات اللازمة واماكن تواجدهم. غياب الخرائط الارشادية وعدم تواجد الاشخاص المعنيين في مكاتبهم وتكرار مغادرة وتغيب المعنيين بدون توفير بدلاء لهم ووجود اشخاص غير مدربين في بعض المواقع الاساسية في مؤسساتنا، عوامل مسؤولة عن حالة الترهل والاحباط التي يشكو منها العملاء والمراجعون.
قبل اسابيع أدلت وزيرة تطوير القطاع العام مجد شويكة بتصريح حول انجازات وزارتها في مجال الاتمتة لبعض خدمات السجل العقاري والضمان الاجتماعي ودفع الضرائب وغيرها من الخدمات التي طال انتظار تطويرها. الجانب الذي لم يطله التطوير يتعلق بالموروث البيروقراطي المهيمن على ثقافة عمل المؤسسات والقناعة الراسخة لدى بعض العاملين بأهمية التأخير والتأجيل والتدقيق والتعطيل للمعاملات كطقوس ضرورية لإشعارهم باهمية مواقعهم وادوارهم.
المؤسسات التي اعادت هيكلة نفسها لتجويد خدماتها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي قدمت للمواطن والمراجع والمسؤول أنموذجا يبعث على الامل في إحداث نهضة ادارية ترقى بمؤسساتنا وتحسّن، بدرجة كبيرة، العلاقة بين الدولة والمواطن. لقد كانت ادارة ترخيص السواقين والمركبات والاحوال المدنية اولى المؤسسات الخدمية التي عدّلت على تنظيمها واجراءاتها واسلوب عملها بما يجعلها مؤسسات تحظى بتقدير المراجعين وترضي تطلعاتهم.
اليوم يشكو الكثير من المراجعين للعديد من المؤسسات من المماطلة في استقبال المعاملات والتأجيل غير المبرر للحصول على الخدمة، ما يدفع البعض للبحث عن الوسطاء والسماسرة والمتابعين الذين يتواجدون بصورة دائمة في ساحات وممرات مديريات الخدمات يعرضون خدماتهم على المراجعين ممن اصابهم اليأس من أن تستكمل معاملاتهم بالطرق الاعتيادية.
ثقافة السمسرة والكمسيون أصبحت مظهرا من المظاهر المقلقة والمزعجة والمعيقة لتطور الادارة العامة في بلد يسعى لترشيق ادارته وأتمتة خدماته وتجاوز كل العقبات التي تعيق وصول المجتمع الى اهدافه المعلنة. في مجتمع ينفق جل موازناته السنوية على الرواتب والاجور وتعج مباني مؤسساته بآلاف العاملين والمسميات الوظيفية والكثير من الضجيج والقليل من الاداء، العشرات من المكاتب والوحدات الادارية تتعطل عن العمل وتصبح خارج الخدمة إذا ما غادر موظف او تحصل على اجازة مرضية او عرضية.
يافطة خارج الخدمة هي ما تحتاج إليها العديد من المكاتب في بعض مؤسساتنا الخدمية، حيث تتعطل المعاملات بحجة مرض والدة المأمور او مغادرة المدقق او وفاة ام رئيس القسم. لا أعرف المنطق الذي يوجه المدراء والرؤساء الذين يقبلون بأن يغلق الموظف مكتب خدمة حكوميا وعليه كومة من المعاملات بحجة انه في العمرة او لديه حالة وفاة.
صحيح أن الإجازة حق للمستخدم وينبغي الحصول عليها، لكن الانظمة تنص على أن توكل اعمال الموظف المجاز الى موظف بديل قادر على اداء المهام، وان لا يكون ذلك سببا في تعطيل خدمات الناس والمنتفعين.
ترشيق وتجويد الادارة يحتاج أكثر من التصريحات، إذ يتم بزيادة كفاءة المؤسسات والوحدات الادارية على القيام بواجباتها بسرعة وكفاءة واقتدار.
الغد