-1-
هي حقبة من العمر عندما تصلها، لن تجد نفسك مضطراً للخوض في أي نقاش أو جدال، ولو خضت فيه لن تحاول أن تثبت لمن يجادلك بأنه مخطىء، لو كذب عليك أحدهم ستتركه يكذب عليك، وبدلا من أن تشعره بأنك كشفته، ستستمتع بشكله وهو يكذب مع أنك تعرف الحقيقة! ستدرك بأنك لن تستطيع إصلاح الكون، فالجاهل سيظل على حاله مهما كان مثقفاً، والغبي سيظل غبياً !.. سترمي كل مشاكلك وهمومك والأشياء التي تضايقك وراء ظهـرك وستكمل حياتك... نعم ستفكر في أشياء تضايقك من وقت لآخر ... ولكن لا تقلق؛ سترجع للمرحلة اياها مرة أخرى. ستمشي في الشارع ملكاً؛ مبتسماً ابتسامةً ساخرة وأنت ترى الناس تتلوّن وتتصارع وتخدع بعضها من أجل أشياء لا لزوم ولا قيمة لها !
ستعرف جيداً أن فرح اليوم لا يدوم وقد يكون مقدمة لحزن الغد والعكس ! سيزداد إيمانك بالقضاء والقدر، وستزداد يقيناً بأن الخيرة فيما اختاره الله لك ...
إذا وصلت يوماً لتلك المرحلة لا تحاول أن تغير من نفسك، فأنت بذلك قد أصبحت ملكاً على نفسك، واعياً جداً، ومطمئناً من داخلك !
شكرا لمن أتحفني بهذه الدرر
-2-
كان يحلم طيلة عمره بها، رسم لها ملامح خاصة في مخيلته، تحمل من الغموض أكثر بكثير من الوضوح، من الصعب أن توصف، فهي صورة مبهمة، خليط متجانس من متناقضات تسكنه، أو هكذا يعتقد البعض، مع أنها كلها متعايشة داخله، ومتصالحة حد الوَلَه، بل حينما يغيب أحدها يشتاق له الآخرون، ويفتقدونه، فيها اجتمعت –أيضا- شقيقته الكبرى، أمه الثانية رحمها الله، وأمه بالطبع، وحنان والده المُفرط، وعدد لا يُحصى من القديسين والقديسات، وكثير من غبار الطلع، ولوحات رسمتها نسائم ثملة على وجه الغيم، وشقاوة نحلة تقطع آلاف الأميال بحثا عن رشفة رحيق، وهديل يمامة، أدمنت التقاط الحَب والحُب من فم زلمتها ووضعه في أفواه صغارها، ووقار شيخ جليل، يذكر الله كثيرا، ويبتسم متسامحا فيما يرقب حماقات حفيده الطفولية، وجبين يقطب فقط حينما يشعر أنه تسبب بجرح مشاعر سنونو، بحركة فجائية، غير مقصودة، فطار مذعورا، وكثير كثير من تفاصيل، ليس لها وصف، تشمها، تتذوقها، تلمسها، بحواسك المتعددة ما ظهر منها وما بطن، ولا تستطيع لها وصفا، كل هذا وكثير غيره، كانوا وكانت، تعيش على وفي أقانيم ثلاثة تـُـقيم فيها: المراهق العابث والطفل الشقي، والناضج الحكيم ذو النظرة الثاقبة، هكذا كانت في داخله، وكلما نظر إليها بعينيْ حُلُمه، رأى ما في داخله، وفجأة، وعلى حين غفلة من الزمان والمكان، انتبه من نومه، استجابة لنداء مبهم، فوجده قائمة فوق رأسه، تقول: أنتظرك، ومنذ تلك اللحظة، لا يعلم على اليقين، أكان يحلم فعلا، أم أنه كان يحلم أنه يحلم، أم يعيش فعلا فصول حكاية، تأبى أن تبدأ، أم بدأت وتأبى أن تنتهي!
«مقطع من فانتازيا واقعية، ربما ترويها ذات حلم، حوريات الجن، لعشاق تائهين، يبحثون عن ملاذ في جبال الأولمب»
الدستور