أظن أن قرار مجلس الوزراء بإحالة عضوين في مجلس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد إلى التقاعد قد جاء مفاجئا للأردنيين:
"تقاعد؟! أي تقاعد؟! مو الهيئة كلها متقاعدة من زمان"!
الكثيرون سارعوا إلى الطعن بهذا القرار باعتباره تجاوز من الحكومة لصلاحياتها، حيث أن أعضاء الهيئة بموجب قانونها يعيّنون بإرادة ملكية، ولمدة أربع سنوات، ولا يقالون إلا بتنسيب من مجلس الهيئة نفسه أو أن يستقيل العضو بناء على رغبته الشخصية.
من جهتي، استغرب أنه ما يزال هناك في الأردن حدا بتبّع مين تطاول على صلاحيات مين؟!
ترى لو طُلب من الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور محمد المومني التعليق على الموضوع ماذا سيقول؟
"قرار مجلس الوزراء بإحالة عضوي هيئة النزاهة ومكافحة الفساد إلى التقاعد يأتي في إطار حرص الحكومة على التعاطي بإيجابية مع قضايا الفساد والمفسدين"!
القرار جاء قبل ساعات من مغادرة رئيس الوزراء هاني الملقي إلى مصر من أجل قضاء عطلة عيد الفطر، وعليه يمكن القول أن القرار ينطبق عليه الوصف الشعبي "ظربة مِقفي"!
القرار الذي ذكّرنا بوجود هيئة للنزاهة ومكافحة الفساد في الأردن، والذي جاء في الهزيع الأخير من شهر رمضان المبارك.. جعلني أفكر:
"الهيئة محقوقة.. هيه إلي منسيتنا حالها.. هاي نقابة المهندسين ساووا محاضرة بمناسبة الشهر الفضيل لزغلول النجار عن البرق والرعد في القرآن الكريم.. ليش الهيئة ما استغلت فرصة هالأيام المباركة وساوت هيه كمان محاضرة عن أحكام الفساد والمفسدين في القرآن الكريم"!
المعضلة في مثل هذه المحاضرة، أي شيخ ستدعو إليها؟ من أي "برّ" أو "بحر" ستأتي به؟!
بمناسبة الحديث عن الفساد، عفوا مكافحته، ما هو أصل كلمة فساد؟
دكاترة وجهابذة اللغة العربية وكل من يحملون شهادة الثانوية العامة قبل سنة 1997 أو يحملون شهادة "مترك قديم".. سيسارعون بالإجابة:
كلمة "فساد" هي المصدر من الفعل الثلاثي ف س د..
فسد.. يفسد.. فسادا.. واسم الفاعل منه فاسد.
أنا أرى أن هذا الرأي هو الفاسد، ولديّ وجهة نظر مغايرة عن أصل الكلمة!
كلمة "فساد" مكوّنة من مقطعين: الفاء حرف جر، و"سادَ" فعل ماضِ ثلاثي.. فـ سادَ!
وهنا لدينا وجهان لتأويل المعني:
الأول بمعنى انتشرت اللصوصية حتى سادت، انتشرت الرشوة حتى سادت، انتشرت الجريمة المقننة والمنظمة حتى سادت، انتشرت الواسطة والمحسوبية والجهوية والفئوية.. الخ حتى سادت!
والثاني بمعني أن كل شخص فَسُدَ قد سادَ، أي أصبح سيّدا في قومه أو قطاعه أو مؤسسته الرسمية وغير الرسمية.. كلُّ حسب اختصاصه!
ترى لو سألنا الدكتور محمد المومني عن هذه المسألة أيضا ماذا سيجيب؟
أظنه سيجيب مرة أخرى أن الحكومة ستتعامل بـ "إيجابية" مع هذه المعضلة اللغوية!