فجّر تعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً لعهد المملكة العربية السعودية خلفاً لابن عمه الأمير محمد بن نايف، بركاناً من المخاوف التي غُلفت بكم هائل من الأكاذيب والتوقعات المهزوزة غير الواقعية للتشكيك في الخطوة وتشويه غاياتها ورسم سيناريوهات "سوداوية "عن نتائجها، من قبل إيران والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
فضح تعيين الأمير محمد بن سلمان طبيعة التحالف المستتر بين الإسلام السياسي السني ممثلاً بالإخوان المسلمين والإسلام السياسي الشيعي ممثلاً بنظام ولاية الفقيه بالإضافة للاصطفاف القطري – التركي الداعم لهذا التحالف، وكشف طبيعة الأجندة السياسية لهذا التحالف المعادي لبناء قوة عربية تشكل ثقلاً مركزياً في المنطقة والإقليم تعمل على صد "الأطماع" الإقليمية لكل من إيران وتركيا.
كان لافتاً مضمون خطاب ذلك التحالف وكأنه كتب في "غرفة عمليات إعلامية مشتركة"، حيث استند هذا الخطاب ببعده الدعائي على مبدأ الهجوم على الخطوة ورسم سيناريوهات لنتائجها لا تمت للواقع بصلة، مما يعكس حالة التخبط وغياب المعلومة الحقيقية والعجز عن التحليل والولوج في عالم "الخزعبلات السياسية"، وقراءة "الطالع والفنجان".
وفي تحليل مضمون هذا الخطاب، نجد أنه ارتكز على عدة نقاط أقل ما يقال فيها إنها "هشة ورخوة"، أو أنها تقترب من حالة "أحلام اليقظة" ومن هذه النقاط ما يلي:
أولاً: تم توظيف الكاتب البريطاني ديفيد هيرست المعروف بعلاقاته مع الدوحة ودفاعه "الممجوج" عن الإخوان المسلمين وتجنيه السياسي على الأنظمة التي تعادي هذا التنظيم، وُظف ليكون "المهاجم رقم واحد" للخطوة السعودية، عبر إيهام القارئ والمتلقي بأنه يستقري الواقع ويحلله، في أنه من الناحية العملية يقوم بعملية خداع كبرى من خلال تضمين ما كتبه عن الخطوة السعودية بكم من المعلومات غير الصحيحة والمُختلقة أصلاً، وربما يكون مقاله الذي نشر يوم الخميس في "هاف بوست عربي" تحت عنوان "محمد بن سلمان سوف يقسم المنطقة" هو مثال صارخ على بؤس الكتابة "المؤدلجة" التي لا تمت للتحليل السياسي بصلة، والتي تشبه تماماً فقرات قراءة النجوم والطالع لبعض المتخصصين في هذا الشأن قبيل ساعات من بدء كل عام جديد.
يتنبأ هيرست بدون الإشارة إلى أي معطيات سياسية أو أمنية أن ولي العهد السعودي سوف يقسم المنطقة هكذا، وبكل بساطة دون تحديد، ما هو هذا التقسيم وكيف سيتم؟، كما يتنبأ بأن التحالف بين الأمير محمد بن سلمان وسمو الشيخ محمد بن زايد لن يستمر طويلاً وسينتهي بمجرد اعتلاء بن سلمان العرش دون ذكر أي سبب لذلك (مجرد أمنية)، أما أكثر النقاط إثارة للاستغراب والدهشة التي يتوقع حدوثها هي قيام تحالف مضاد بوجه التحالف القائم بين ولي العهد السعودي وولي عهد الإمارات مكون من تركيا والكويت وسلطنة عمان وإيران!
ثانياً: استندت الدعاية الإيرانية – الإخوانجية في "الهجوم" على تسمية بن سلمان ولياً للعهد في السعودية على عدة أمنيات أخرى غير أماني ديفيد هيرست ومنها: الحديث عن مشكلات قادمة داخل الأسرة الحاكمة السعودية بعد هذا القرار دون ذكر أي تفاصيل عن هذا العنوان العريض والخطير، وفي تجاهل "بليد" للمشهد غير المسبوق للمبايعة التي تمت بين بن نايف وابن عمه بن سلمان ومنسوب الاحترام والتفاهم المتبادل الذي كان متجلياً في المشهد، وتحديداً من ولي العهد الجديد تجاه ابن عمه ولي العهد السابق وفائض التقدير والامتنان الذي أبداه ولي العهد الجديد للسابق.
ومن تلك الأماني التشكيك بقدرات بن سلمان في إدارة الحكم وتحميله مسؤولية قرار "عاصفة الحزم" في اليمن، وقرار مقاطعة قطر على اعتبار أن القرارين يشكلان خطأ جسيماً للسعودية ولمحور الاعتدال العربي، في حين أن هذين القرارين كانا من أكثر القرارات إيذاءً لمحور الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي ولتركيا وقطر، ومن ناحية منطقية وعلى افتراض أن هذين القرارين يشكلان خطأ جسيماً للسعودية وحلفائها ومصالحهم، فمن المفترض أن يكون هذا الخطأ المفترض مبعث سرور وراحة واطمئنان لإدارة بن سلمان السياسية، وليس موضع نقد وتوجس وخوف.
...إن هذه الهجمة على تولية محمد بن سلمان ولاية العهد ولاحقاً الحكم، يعكس حالة من الهلع والخوف من طبيعة تحالفات الرجل الإقليمية والدولية وأجندته الواضحة في معاداة الإخوان المسلمين ومن يدعمهم، وفي مجابهة السياسة الإيرانية بالمنطقة، والتصدي بحزم للإرهاب، وتوجهاته الليبرالية في التعاطي مع الاقتصاد السعودي ومع التحولات الاجتماعية داخل المجتمع السعودي وتحديداً في زيادة مساحة الحرية الاجتماعية فيه والتخفيف من سطوة المؤسسة الدينية عليه.
عن 24