النجومية التي تشبه فقاعات الماء الكبيرة والملونة، هي التي نراها في غالبية أعمال الموسم الرمضاني، الذي شارف على نهايته لهذا العام، وهي نجومية ساهمت الفضائيات العربية ببرامج ترفيه ساذجة على صناعتها ونفخها، لننتهي إلى أعمال معينة يتمحور كل بنائها السردي حول النجم الأوحد، أو النجم اللامع مع فريق ممثلين متفاوت الأداء كله يعمل لإسناد نجومية الفقاعة بطل العمل.
في زمن مضى مثلا، قبل عصر الفضائيات، كان هناك عمل أو عملان، ثلاثة على الأكثر، تتداولها المحطات التلفزيونية الأرضية و تشتريها بتوزيع متقن، وكانت تلك الأعمال المشغولة للموسم الرمضاني يحملها نص متماسك يكتبه متخصص لا يقل نجومية، بل إننا شهدنا زمنا كان الممثلون فيه على شهرتهم، يسعون للمشاركة في عمل يكتبه أسامة أنور عكاشة مثلا، وهذا حدث فعلا في زمن «ليالي الحلمية» بأجزائه التي كانت تكمل بعضها البعض بلا فجوات درامية، ولا تكلف.
حتى أن تغيير ممثل يؤدي شخصية رئيسة لا يؤثر على العمل فكانت آثار الحكيم في «ليالي الحلمية» أو إلهام شاهين في الدور ذاته تؤديان عملا دراميا يحكم نجوميتهما، ويجعلهما يتنافسان بقوة الأداء لإقناع المشاهد، فكان العمل من كلاسيكيات التلفزيون الخالد، يجمع في داخل نصه القصصي السردي المحبوك، نخبة ممثلين، لا نجم أوحد بينهم، بقيادة مايسترو في الإخراج لا يتنازل عن «ولايته العامة» في العمل لصالح نزوات أي ممثل.
اليوم، نحن أمام عمل النجم الواحد، والنص عبارة عن تفصيل يحيكه خياط برتبة كاتب نص، كل همه أن يتم تفصيل العمل على قياس نجومية البطل الأوحد، فيصبح الترزي يوسف معاطي، خياط الفنان عادل إمام، الذي اختار ابنه مخرجا، فتضيع الولاية العامة للمخرج في متاهات السلطة الأبوية ونجومية «الزعيم» مما يجعلنا مندهشين من سخافة الطرح في مسلسل لا تتجاوز قدرة عادل إمام التمثيلية فيه أكثر من تعابير وجه فقدت ألقها الكوميدي بسبب التكرار أو بسبب الهرم الواضح على وجه الفنان، الذي كان عظيما في أول صعوده المهني، لينتهي أسير فقاعة نجوميته.
المذهل أن فريق الإسناد التمثيلي وبسبب حشره في زاوية إسناد النجم الأوحد، أدى أدواره «على ضآلتها وضحالتها» بأداء متميز فرض عليهم محاولات المنافسة لجذب ما تبقى من فتات ضوء، فكان هذا الأداء لبعضهم أكثر ألقا من أداء النجم نفسه.
في الحلقات الأخيرة من «عفاريت عدلي علام»، والتي يمكن اختصارها إلى « ع. ع. ع» ، كانت القصة تنحدر أكثر وأكثر إلى السطحية في طرح عالم الجن والعفاريت، كأنها أمور بديهية مسلم بها، وترسخ ثقافة الجهل والتجهيل، وابتعدت عن المعالجة الفانتازية المطلوبة في تلك الحالات، إلى مركزية عادل إمام في جمع من كومبارس وممثلين بماكياج ضعيف المستوى يشبه مهرجي السيرك.
ومع ذلك، كان أداء بعض العفاريت في النص الهزيل، أكثر جدية من تهريج الزعيم الفاقد لوهجه.
أتمنى لو أن عادل إمام، يحترم تاريخه الفني في العام المقبل، ويكتفي بزعامته التي يريدها لنفسه، أو يبحث لنفسه عن نص وكاتب نص يحترم هذا التاريخ.
سخافة «باب الحارة» طالت فرنسا
وهذا الاستسهال في عملية صناعة النصوص الدرامية، أدى إلى ما أدى إليه في مهزلة «باب الحارة»، تلك السلسلة التي بدأت قوية وانتهت إلى العبث الشديد حد توظيف النكتة عنها في أن القائمين على المسلسل يحيون ويميتون الشخصيات حسب الرغبة الإنتاجية في العمل نفسه ليتم إماتة النمس، ثم إحياؤه في حلقة تالية واستيقاظه في قبره ساعة دفنه.
وما زالت الطرفة السائدة صالحة للطرح وهي التي تقول إن قصر الإليزيه في فرنسا أصدر اعتذارا شديدا للسوريين على فترة الاستعمار الفرنسي، وإن الإليزيه مستعد أن يقبل الرئيس الفرنسي أيادي السوريين جميعا مقابل أن يتم إيقاف مسلسل «باب الحارة» لكثرة ما فيه من سخافة طالت فرنسا نفسها.
«الدهن في العتاقي»: منى واصف مثالا
لكن للإنصاف، فإن أعمالا درامية، أساسها أدبي روائي بحت، أضعت على نفسي فرصة متابعتها من أول حلقاتها، فحظيت بحلقات متفرقة منها بين فترات العمل المكثف هذا الشهر، فوضعتها في خانة ما بعد رمضان لمتابعتها بجدية أكثر، وشغف المتابع لا عين المتفحص، ومنها مسلسل «واحة الغروب»، وهي الرواية الأدبية الجميلة للأديب بهاء طاهر، وقد تم تجسيدها في الدراما على ما يبدو مما تيسر لي مشاهدته بشكل ممتاز ويحترم المتلقي، والمفاجأة كانت بهذا الأداء اللافت للفنانة الأردنية ركين سعد، والتي أدت دور مليكة، وتلك العفوية بتجسيد دور فعلا صعب ومركب، بعفوية القادر وسلاسة المتمكن، وهذا مؤشر على أن النجومية ليست هي معيار العمل الناجح ولا الممثل الجيد، ونحن هنا في حالة ركين أمام تمثيل محترف بمستوى عالمي، في عمل يعيد للدراما بعضا من ألقها الغابر.
وللإنصاف أيضا، وحتى لا نتجنى على النجوم الكبار جميعا، فإن السيدتين منى واصف وسعاد عبدالله، أثبتتا مقولة «الدهن في العتاقي» مع الاحترام لشخصيتيهما، وقد حافظت كل منهما على نجوميتها بأداء يليق بتاريخ كل واحدة منهما.
«رامز تحت الأرض» يعالج ريهام سعيد
من منطلق الحد الأدنى لاحترام الذات، لا أتابع «رامز تحت الأرض»، وحال بداية حلقاته، أغير المؤشر على الريموت هروبا إلى أي محطة أخرى حتى لو كانت «التلفزيون الأردني».
لكن، أحدهم ومن باب معرفته بأني شغوف بدراسة الحالات النفسية المعقدة في الإعلام العربي، مثل حالة المسكينة «ريهام سعيد»، والتي أجد فيها نموذجا جيدا للدراسات الفرويدية المركبة، نصحني بمتابعة فقرة ريهام سعيد وقد بلعتها الرمال المتحركة والمصطنعة في برنامج رامز جلال المصطنع أيضا.
وفعلا، تابعت ريهام سعيد في حلقة الإعادة، وهي في مأزقها وأدهشني أنها كانت منسجمة مع حالتها المرضية في قمة أنانيتها وعجرفتها، ورؤيتها لذاتها، وأشفقت عليها لأول مرة، متأكدا أن الحالة بحاجة إلى علاج مكثف، وإعادة تأهيل وربما إعادة بناء من جديد.
نقلاً عن القدس العربي